قبل 5 سنوات
بعيدا عن كورونا.. التشكيلية المغربية عائشة أرجي اللبار تتجاوز المفاهيم الكلاسيكية
تلجأ الفنانة التشكيلية عائشة أرجي اللبار إلى تشخيص صور واضحة المعالم وفق التتابعات التشكيلية الواقعية في تحولاتها المرتبطة بالظواهر الاجتماعية والبيئية والثقافية، تنجزها حسب المسلك الفني الذي ترغبه، فهي فنانة واقعية تعتمد تشكيل الفضاء انطلاقا من تثبيت الملمح التشخيصي للواقع، ومرورا بالإسكابات التي تضفيها على منجزها، ووصولا إلى إدراك الحقيقة الفنية والمعرفية التي تهدف إليها من خلال مختلف عملياتها الإبداعية.
لهذا تبدو إنجازاتها الواقعية في مواجهة إيجابية مع القارئ، تتفاعل معه وتتجاوب بتلقائية، لأنها تقاربها بالواقع الاجتماعي والثقافي والبيئي، ولأنها تحمل مشاعر رقيقة، فتتبدى حابلة بالمعاني والمغازي والدلالات العميقة. إنها سمات تغذي أعمالها الفنية، فهي تحاكي الواقع وتعبر عنه بمشاعر صادقة. وتحمل في عمقها رسائل واضحة إلى المتلقي. إنها تتخطى ببراعة الواقعية الكلاسيكية بمشروع تصوري ينبنى على أسس فنية معاصرة تروم معاني الانسجام بين الفكر والثقافة والفن وفق مسلك التكتل والتجمع وتمثل الواقع، ووفق التشكيل الحداثي الذي يسعى إلى تجاوز مجموعة من المفاهيم التي لم تعد تحيل على الأوصاف الصامتة، إلى إنجاز تمثُّل واقعي متكامل الأوصاف بآليات التعبير الفني والجمالي الحق، التي تسمح بمرور المادة الفنية في قالب تعبيري دال، بإضفاءات فكرية وجمالية تجعل القارئ أمام فهم سليم يخضع إلى التأويل وإنتاج المعاني. وهو ما يحيل إلى المشروع الذاتي للفنانة عائشة أرجي اللبار، فأعمالها تتواشج على نحو تفاعلي جدلي بين مختلف المكونات والمفردات الفنية، وبين عملية التوظيف الإبداعي المتحرك الذي يعتمد تدفق اللون المعاصر وتكثيفه. إنه في واقع النقد التشكيلي انزياح إيجابي نحو المادة التشكيلية الواقعية المعاصرة، وارتماء في التعبير وفق طقوس ومفردات فنية عالمة، إنها تقوم على أبعاد تشكيلية تفضي إلى اكتمال البعد الجمالي في صيغته النهائية التي تسمح ببناء قيمة الفضاء.
إن كل هذه الاستعمالات في منجز الفنانة عائشة تقود إلى أسلوب تعبيري خارج عن المألوف، حيث إن التعبير هو أحد المكونات الرئيسية في الثقافة التشكيلية، لذلك ينفذ العمل الواقعي التعبيري للفنانة عائشة أرجي الى أعماق القراء عبر الرؤية البصرية والحس التفاعلي الذي يؤججه الشكل التشخيصي والأسلوب الرائق الذي يعتبر أداة فنية تستحوذ على النفس وتؤطر مجال التفاعل بين القارئ والمادة الفنية المعاصرة. وتلعب التقنيات المعاصرة والمؤهلات الكبيرة والقدرات العالية للفنانة عائشة أرجي دورا كبيرا في بلورة تصوراتها الفنية مما يؤهلها إلى سلك نهج الحداثة والمعاصرة من الباب الواسع. خاصة وأنها تتبنى في حركتها الفنية الحلول الواقية، والأمل المستشرف لواقع أفضل.
إن ثمة روحا من الواقع المعاصر لصيقة بالفنانة لا تقبل الانفصال عنها. فهي تأتي كطرح في سياق أعمالها الفنية بإيجاد رؤية تشكيلية إبداعية تقاربها بالجمالية الواقعية الملفوفة ببعض من الرؤى الفنية المنبثقة من المشاهد الاجتماعية ومشاهد الطبيعة حيث تحاول إعادة تشكيلها وفق بناءات فنية جديدة، ووفق صيغ فنية بديعة، الشيء الذي يفضي إلى وجود حيز إبداعي يدحض البناءات الكلاسيكية إلى تشكيل أرضية فنية بالطلاء الجزئي باللون المنفرد أو بالطلاء الجزئي بالألوان المتناسقة التي تبث من خلالها نبرات المشاعر اتجاه الواقع بموسيقى وحركة وموتيفات تنوعية؛ لكن بمتعة الفنانة التي تجيد الرقص بالألوان والشكل بتحويلات فنية وجمالية، وبسحر فني عميق الدلالة يُحقق نوعا من الإيحاءات والمغازي والدلالات الجديدة، التي تُخرج المادة التشكيلية إلى حيز وجودي واقعي مغاير، يباشر العين والإحساس. ويصنع دورا فعالا لعملها الواقعي الواضح المعالم، في الابتكار وإحداث الجديد.
إنه أسلوبها الخاص في التعبير، ومشروعها الإبداعي الذي تستوحي من خلاله قضايا الإنسان الاجتماعية، وقضايا الطبيعة بإبداعات توازن فيها بين التركيب واللون والمساحة، وتحوّلها بإبداعاتها الخاصة إلى شعور بالدفئ، لتخترق إحساس المتلقي بزرع القيم خدمة للرؤية المستقبلية. وهي رسالة الفنانة عائشة تحقق بها نتاجا عميق الدلالات، وتلامس بها إلى حد كبير الروح الإنسانية. بل وتشعل بها وهجا تشكيليا عميقا بتصوراتها الهادفة والموشومة بدفئ البحث عن مخارج الأمان والراحة النفسية للجميع. تُبدع ذلك وترسله بأسلوب تشكيلي جديد، تسعى من خلاله لأن تتخذ منه مادة أخرى لاجتياز المستهلك إلى المستجد، إنها فلسفة تلف أعمالها الفنية التي تحظى بالتقدير والاحترام في الأوساط الفنية والثقافية المغربية والعربية والدولية.
محمد البندوري
لا يوجد حاليا أي تعليقات. كن أول من يشارك!