
قبل 5 سنوات
بعيدا عن كورونا.. تداخل اللون والرمز في تعبيرية السوري حسن صبيح
يعتبر الفنان التشكيلي حسن صبيح من بين أهم الفنانين الذين يشتغلون على المنحى التعبيري بصيغ جمالية غير مألوفة. فهو يستقي مادته التشكيلية من الواقع بأخيلة وتصورات تعبيرية، ووفق طرق متنوعة وبأسلوب تشكيلي متميز بمقوماته وتفاعلياته وجمالياته المختلفة، سواء على مستوى البناء الفضائي أو على مستوى التقنيات العالية الموظفة، أو على مستوى الاستعمالات المضامينية والجهاز المفاهيمي بكل مقوماته، وبالرغم من ظهور بعض الفارقيات على مستوى الشكل التي تنتج من هياكل أعماله؛ إلا أن المادة الفنية في مجملها تروم صناعة مجموعة من العلاقات التحاورية، لبسط أنماط تعبيرية مغايرة للمألوف، يشكلها الفنان حسن صبيح بمجموعة من التقنيات العالية والآليات المسعفة لضخ الاستعمالات الرمزية والإشارات بنوع من الجمال والتأثير القوي في القارئ.

وبذلك فإن المبدع يبني فضاءات أعماله باعتماد شخوصات ومواد تصورية باعتبارها ركيزة فنية يروم بها التعبير وفق نسيج شكلي ولوني ورمزي وعلاماتي يتم توظيفه وفق أبعاد وقيم تضمر في طيها مضامين اجتماعية وإنسانية، يوظفها بأسلوب تشكيلي متعدد الصيغ الجمالية ومفعم بالسيولة التعبيرية، مما يجعل من بعض التوظيفات العلاماتية واللونية والرمزية أدوات أيقونية تفصح عن دلالات ورؤى ومعاني متعددة، وهي تعبر عن خلجات المبدع وأحاسيسه وتخرج المادة التعبيرية إلى حيز فني يحمل في طيه أبعادا فلسفية وقيمية، تتفاعل مع مقومات العمل التشكيلي المعاصر، وتنسجم مع سياق المجال التعبيري الذي يشتغل عليه المبدع. إنه مجال الفنان حسن صبيح الخصب الذي يحتوي مجموعة من المعارف التشكيلية والمعالم الفنية والأحاسيس الإنسانية التي تندرج ضمن نسيجه الثقافي والاجتماعي، ورصيده المعرفي التشكيلي، حيث إنه يتحكم في إدارته فنيا، وتدبيره شكلا وتعبيرا، ويوظفه كذلك بشكل ممنهج وبتقنيات عالية.

لذلك فإن أعمال الفنان حسن صبيح تنطق برؤى عميقة الدلالة وبتصورات متناسقة، يؤكدها أسلوبه التعبيري الفريد والمتعدد المضامين، حيث يعكس بشكل قوي ثقافته التشكيلية الرصينة المبنية على أسس قويمة. وهو ما يجعل أعماله تتميز بنوع من الارتقاء في العمل الإبداعي المعاصر. وهو وإن كان يعتمد طغيان اللون على الشكل فإنه يضع المادة التشكيلية في سياقات منسجمة، ويصنع مجالا تشكيليا يتأسس على ثوابت تصورية معاصرة، ويعطي للفراغ حيزا لونيا ويضعه هو الآخر في بؤرة فنية ذات تعبيرية وذات وزن فني في المنظومة التشكيلية المعاصرة. فهو يتحرر من النهج الكلاسيكي ويروم البعد الجمالي بنوع من السلاسة والبساطة في الأداء. إنه في الواقع النقدي انزياح عن المألوف في عالم التشكيل، واعتلاء في التعبير وفق طقوس ومفردات فنية عالية الجودة، لأنها تستمد وجودها من نبع متعدد الجماليات، ومتنوع التصورات والرؤى الواقعية، وهو من منظور آخر إرساء لمقومات العمل الفني المبني على أسس رمزية وإشاراتية.

وإن لجوء الفنان لهذا الأسلوب يعمّق من تعبيراته ويستجلي من قيمة المضامين التي يشتغل عليها، وإنه في الأصل لجوء إلى عالم جديد بمقومات فنية جديدة، تحتوي ركنا فنيا واقعيا يثبّته المبدع داخل لوحاته بطرائق فنية تفاعلية سلسة، وباختيار منظم. يعتمدها لغايات فنية، ولتطوير الأسلوب التشكيلي، وليبسط مختلف التفاعليات التشكيلية والجماليات المتنوعة بنوع من السلاسة والقدرة على التأثير في القارئ. وتلعب محتلف التقنيات المستعملة في هذا المنحى دورا محوريا لتأسيس المادة اللونية بناء على هذا النهج القويم. إنه بذلك يثبت وجوده بشكل قوي في الساحة التشكيلية المعاصرة.
محمد البندوري
لا يوجد حاليا أي تعليقات. كن أول من يشارك!