قبل 5 سنوات

لون من التكعيب والتعبير في أعمال التشكيلية الجزائرية أميرة لعلام

لا تقف الفنانة التشكيلية أميرة لعلام عند شكل واقعي واضح، بل تتجه إلى صناعة شخوصات واقعية بلون تكعيبي وآخر تعبيري؛ وفي أحايين أخرى تتجه نحو التجريد، إنه مراس تشكيلي متعدد المنابع، فصناعة أشكال وشخوصات متنوعة تتوقف لدى المبدعة عند معالم الصياغة التشكيلية المتعددة المشارب في ألوان زاهية، بروابط علائقية تكثف بها الفضاء، فتتراءى موسومة بخصائص ومميزات تؤصل لفلسفة قيمية جمالية فريدة، تستجيب لمتطلبات أعمالها حتى تتفاعل مع القارئ بنوع من الرقي ومن الثقافة والمعرفة التشكيلية. وبديهي ذلك؛ لأن المبدعة الجزائرية خريجة المدرسة الجهوية للفنون الجميلة بقسنطينة ولها زاد معرفي وثقافي يعضد موهبتها التشكيلية. فأعمالها تفصح عن تراكمات فنية تنتجها تجربتها الكبيرة، ومراسها في مجال التشكيل. فالأشكال والدلالات العميقة تتحكم فيها الألوان بجمالياتها غير المحدودة، بخاصيات التعدد والإيحاء مما يحدث بهجة ورونقا، وينتج جماليات متتالية، قادرة على بسط المنحى التعبيري المنبعث من الأشكال الشخوصية ومن الألوان وطرق وضعها، بتشكلات وخاصيات جديدة، وأساليب معاصرة، تحكمها الجماليات المتنوعة، وجماليات الملمس، وقيم السطح. وهي بذلك تنتج مشهدا دلاليا، يجول بالقارئ في عمق الصورة التشكيلية، بصيغ جمالية قوامها اللون المعاصر. لأن عناصر الجمال في اللون تدعم القوة التعبيرية وتمنح لون التكعيب وشكله إثارة فنية، وجملة من الجدليات، وفق علاقات مفتوحة بين مختلف الألوان والأشكال والعلامات، تصل درجة عالية من التوازن والجمال.

فهي تبني جسر التفاعل مع الأشكال البصرية الجميلة الرائقة، والتي هي في جوهرها مواد تشكيلية تتفاعل مع نظام الفضاء التعبيري في أنساق دلالية متلائمة ومنسجمة فيما بينها، تطاوع الحس الانفعالي، وتصوراتها التي يحملها اللون والشكل، وطريقة توظيفهما دلاليا وجماليا، ذلك ما تفسره التعددية المتناسقة وفق مفارقات لونية تعبيرية، وتقنية عالية الجودة، تزكيها الاستعمالات المختلفة والخامات، وهي تبرز مؤهلات الفنانة أميرة، وتنم عن موهبتها وقدراتها العالية في الإنجاز. كما أن الربط بين العناصر المكونة لأعمالها، والربط بين مجموعة من العناصر المتباينة، والاستخدامات التحولية، وبسط نوع من الانسجام بين مختلف العناصر والمفردات، يشكل نوعا من تجاوز الجاهز، ومسلكا جماليا جديدا يؤهل لعصرنة هذا الأسلوب الذي يعتبر صيغة ذات عوالم فنية معاصرة توجه السبل التعبيرية نحو آفاق تعد بالإبداع والابتكار.

ولعل التعبير بلون من التكعيب، هو أحد أهم الأساليب الفنية التي تركز عليها الفنانة التشكيلية أميرة لعلام، فبناؤها الفضائي الجمالي تعتمد فيه هذا المنحى التشكيلي بتصور مائز ورائق، يشكل مادة فنية تفصح بطريقة جوهرية عن كل ما تضمره المادة من مضامين عميقة الرؤى ومعاني حمالة لتصورات فنية وجمالية محلية. إنه سحر فني متعدد التوظيفات، ومتنوع الطرائق اللونية المُبهجة، ومُختلف الأشكال التعبيرية الفصيحة المدججة بالجماليات واللمسات الفنية الفاتنة. كلها تعبيرات مصيرية حتمية تسكبها المبدعة في منجزاتها التشكيلية المقترنة بإلهامها واجتهاداتها الموفقة.

إن أعمالها التشكيلية بهذه الصيغ الجمالية والفنية تشكل قاعدة مثقلة بالمعارف التعبيرية المستقاة من منابع تشكيلية متنوعة، تنبجس في سياقات فنية متشعبة المرامي، تتخذ نوعا من التحويل الجمالي الذي يروق عين القارئ، ويحقق المتعة النفسية، وذلك لما تلعبه الأشكال الموتيفية من أدوار تؤثر في توجيه الأسلوب واللون والفكرة والخطاب الفني عموما، وهي أدوار أساسية في تكوين عناصر تعبيرية مرئية تنتج دلالات قوية وتؤثر في الإحساس. وكل ذلك يجعل أعمال المبدعة الجزائرية في سياقها التشكيلي الاحترافي حاملا للجديد وواعدا بالجديد.
محمد البندوري

لا يوجد حاليا أي تعليقات. كن أول من يشارك!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *