قبل 5 سنوات

المفكر عباس أرحيلة.. إن نازلة “كورونا” اليوم تُنزل الأمم منازلها

لِمَن اليوم قيادة العالم؟ وهل تركت (كورونا) لأحد أن يدَّعي قيادة للعالم؟! وهل انهار التضامن بين دول أوربا، وأصبح ذلك التضامن (حكاية خرافية)، كما أصبح يُقال؟ وما لهذه الحدود المفتوحة قد خيَّم على أرجائها صمت الأموات؟ أحقّاً دخل القوم فيما أسموه (الخيارات المأساويّة)؟ إن نازلة (كورونا) اليوم تُنزل الأمم منازلها، وتعيد ترتيب الأوليات والأخرويات! فما ظَنُّك أنتَ بربك؟ أدعوك في هذه اللحظات أن تُحسن الظنَّ بالله. وأن تجعل قلبك متعلِّقا به على قدر ما تستطيع. وأن تَثِق بكرمه الذي لا حدود له، وبقدرته عزَّ وجلَّ على رفع هذا البلاء مهما استفحل، وضاقت به الأنفس. وكيف لا تُحسن الظن بربك، وهو يقول عزَّ وجلَّ، كما جاء في الصَّحيحيْن: (أنا عند ظَنِّ عبدي بي، وأنا معَهُ حيث يذكرني…). أقول لك هذا: لأني أريد أن تؤمن في أعماقك؛ إيمانَك بربِّك، وأنت في لحظات تواجه فيها الدنيا (كورونا)؛ أنَّ عليك مسؤولية لم يتحملها أحد قبلك، ولعلها أخطر مسؤولية في الصراع البشريِّ في هذه المرحلة من تاريخ البشريَّة. مسؤولية ماذا؟ مسؤولية أن تكون - بعد أن يُذهب الله عنا بمَنِّهِ وكَرَمِه شرورَ (كورونا) وآفاتِها - في طليعة من يحملون مشعل قيم الإسلام قولا وعملاً؛ لتستنير به أرجاء الأرض بنورانيته، ويُرفع عنها الظلم والفساد. فالإسلام قادم لا محالة، والعدَّة الإيمانية العلميّة من لوازم المرحلة القادمة.
إن أول معركة في إعداد العُدَّة الإيمانيَّة العلميّة للمرحلة القادمة، مجاهدة النفس الأمّارة بالسوء. وأول ما ينبغي أن يستحضره الكائن البشري في معترك تجربته على الأرض؛ تلك الخُطَّة العلميَّة المنهجيّة التجريبيّة التي تُختبر في ضوئها شخصية الإنسان، ومدى قدرته على مواجهة ما يحيط به من قوى الشر. تلك الخطة وردت في أهم ما قرّره الوحي في اختبار التجربة البشرية، وهي خطة في ذات الوقت تنظيمية توجيهيّة؛ لا تنضبط حركة وجودنا في الأرض بسواها، ولا يمكن أن تَحدُثَ تحوُّلاتٌ حقيقيّةٌ في مسارات تلك التجربة بدون تطبيق لتلك الخطة. وما هذه الخطة؟ إنها تلك التي جاءت في قول الخالق المصوِّر، القاهر فوق عباده، من له الأمر كلُّه: ﴿إنَّ اللهَ لَا يُغيِّر مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ﴾ [الرعد:11]. فهو من خلق الأنفس، وله القدرة على تغييرها، وقال: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [التكوير:29]. ولكن شاءت قدرته أن يُحمِّل ابن آدم هذه المسؤولية؛ فقال عزَّ وجلَّ ﴿وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾ [الأحزاب:72] فهل قامت الجامعات في دنيا البشر بوضع مناهج في استنباط كيفيات التغيير من القرآن الكريم؛ الذي هو الوسيلة الوحيدة بمعية الحديث النبوي الشريف من يساعد العقول البشرية على كيفية إنجاز ذلك التغيير؟ وفي ضوء اللغط حول منجزات الغرب في مجالات المناهج، هل ظهر منها في ديارنا ما يُسعفنا على تغيير ما بأنفسنا، أو ظهرت آثاره في سلوكنا؟ وفي إطار هذه الخطة المنهجية الربانيّة أدعو أحبائي أن نبدأ غداً، إن شاء الله تعالى، في الخطوة الأولى بالعمل على مجاهدة النفس في طَرْد التفاهات التي تبثها وسائل الإعلام في حياتنا عامة، وفي بيوتنا خاصة.
الدكتور عباس أرحيلة، مفكر وعلامة مهتم بدراسة التراث العربي الإسلامي

لا يوجد حاليا أي تعليقات. كن أول من يشارك!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *