قبل 8 ساعات

وظائف الانطباع والمسالك الجمالية في أعمال الفنانة رشيدة ميموني

بقلم.. محمد البندوري
تشكل لغة الشكل والتصفيف اللوني للأشكال المختلفة وللشخوصات الانطباعية مؤشرا حقيقيا على وجود منحى جمالي يبعث نوعا من الحركة المقترنة بالموسيقى، توظفه المبدعة رشيدة ميموني بقدر من الوعي والسيولة الفنية والتنظيم المحكم، من خلال توجيه الشكل نحو الحركة التي تتماوج على إيقاع محدد، فتتخذ منه بُعدا فضائيا مثقلا بالإيحاءات، مؤدى بطلاء لوني تتبدى فيه القيمة التركيبية بين الصياغة الجمالية والمنحى الدلالي، لتمنح مخيلتها كل الحقوق للتعبير المطلق الذي يمثل سيولة فنية غنية، تستبطن أسرارا إبداعية مليئة بالرمزية والإيحاء؛ وهو توظيف يحيل على تجربة عالمة مبنية على الشكل الفني الراقي والمواضيع الهادفة، تمارس بها نوعا من الاستقلال الفني. ويتبدى أن هذا المنجز يضطلع بتقنيات عالية، تستحضر من خلاله المبدعة ملامح الجمال بخصوصياته الفنية، وتأثيراته الثقافية والتراثية.

كما أن جل منجزات الفنانة التشكيلية رشيدة ميموني تشكل لغة تعبيرية ذات أبعاد جمالية، ووظائف بنائية ودلالية، فقد اشتغلت المبدعة على المنحى التعبيري في مساحات متوسطة وكبيرة، وبكتل وركامات لونية خفيفة ومركزة، مع العناية الفائقة بقيم السطح، وانتقاء الألوان بدقة، وهذا مسلك تأثيري يحظى بنوع من السيولة الفنية والجمالية، التي تجعل أعمالها لا تنتهي عند حد معين، بل تتعدى حدود الواقع والخيال بالمعايير الفنية الدقيقة، فهي تتجه نحو أشكال غامضة الصنع، تتبدى فيها اجتهادات تمتح مقوماتها من الرؤى الفنية والتصورات الجمالية والنظرة الواقعية التي تقارب بها النسيج الإبداعي في مجمله، لتظهر لوحاتها عامرة بالعلامات الرمزية الدالة على سيميولوجية ثقافية محلية تستمد كينونتها من الواقع بانزياح عن المعتاد، إذ إن صناعة شخوصات انطباعية وصياغتها في أشكال وألوان لإنتاج مادة تعبيرية يمر عبر اقتناص عدد من الأشكال الرمزية والعلاماتية، التي تشكل روابط توليفية لدحض النماذج الفراغية وتحريك الفضاء بشكل الجسد ولغته الفنية، ونسج نوع من التشكيل بما تحمله تقنياتها العالية من تغيرات، تجعل من التدقيق اللوني الموافق للشكل بناء فنيا منظما في تواشج عميقة الدلالات، عن طريق التعبير بالمفردات الانطباعية التي تُعتبر المادة المركزية في هذا المنجز. فاستخداماتها الرمزية وتثبيتها للأشكال المختلفة ومتعلقاتها ومحتويات المكان، تُنتج مجالا إيحائيا قادرا على تغيير المنحى التعبيري والانزياح به نحو تعددية القراءة.

وبذلك، فأعمالها تتبلور فيها العملية الإبداعية وفق خاصيات جديدة وأسلوب معاصر في التعبير، بموتيفات شكلية دالة على مضامين معينة، يتحقق فيها التجاور والتنوع، وتفصح عن تراكمات رمزية، وأشكال ودلالات عميقة، تؤثت لفلسفة قيمية تستجيب للمعنى التعبيري. بل إنه تفاعل صريح مع المادة الانطباعية في حضرة اللون والرمز والعلامة، ما يحيل على معارف متنوعة، تروم التعبير بلغة تشكيلية متحركة حمالة لأوجه من الدلالات. ويؤشر كذلك على الصيغ الجديدة لتحديث الأسلوب الانطباعي وتوجيه الطريقة التعبيرية بكثير من المهارة والتقنيات العالية نحو عوالم تشكيلية متنوعة، وهو ما تتوفر عليه الفنانة رشيدة ميموني، وتسمح به تجربتها في الحركة التشكيلية المعاصرة، خاصة وأنها تدجج أعمالها بحزمة من المفردات التشكيلية التفاعلية، والأشكال التعبيرية، والتحويلات الفنية التي تتخذ منها أدوات لتغيير المسلك المركزي إلى مسلك جمالي باستعمالات لونية مبهجة، وأشكال ورسومات بديعة، تمتح من الانطباعية مقوماتها الأساسية ومن التعبير الواقعي أهم الأسس التحولية لبعث مسلك جديد بقدر وافر من الجمال. فهي تتخذ من الشكل ومن اللون ومن المجال الانطباعي مواد تفاعلية للتعبير بشكل مختلف؛ وتصوغ المنحى الفني بغايات فنية ذات مضامين ومقومات أداتية.

 

لا يوجد حاليا أي تعليقات. كن أول من يشارك!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *