قبل 5 سنوات
بعيدا عن كورونا.. سياقات التعبير في الأسلوب الواقعي للأردنية سنبال المومني
يشكل الأسلوب الواقعي أحد أهم الأساليب التشكيلية التي تستند عليها الفنانة التشكيلية سنبال المومني، فهي تُنشئ فضاءها الناعم باعتماد أشكال واقعية، واعتماد الشخوصات بطرائق فنية غاية في الجودة، لتفصح عن خلجاتها ولواعجها وشعورها بطريقة فنية مغايرة، وبسحر تشكيلي متعدد الرؤى والدلالات، وبطلاء لوني غاية في التدقيق مع العناية الفائقة بقيم السطح. وهي غالبا ما تُموضع الأشكال الواقعية بطرق تعبيرية فصيحة، تتوقف على مناحي اجتماعية وإنسانية وأخلاقية وروحية دافئة، فأشكال الواقع المختلفة، ومكابدة كل أشكال الحياة اليومية وحرارة الواقع الاجتماعي والثقافي؛ كلها تعبيرات مصيرية تنبع بصدق من نفسية المبدعة بعد أن تنسجها باجتهادات تضع منجزها التشكيلي في سياقات تعبيرية تستهدف بشكل مباشر عين القارئ، لتنفذ بعشق فني إلى مجاله الحسي والوجداني.
وعملا بالقاعدة النقدية؛ فإن أعمال الفنانة سنبال المومني الإبداعية وإن تبدت فيها الواقعية بمشتملات العطف الاجتماعي، وبعض التأملات الناتجة عن الرواسب الاجتماعية، وما شاكل ذلك من حياة البساطة في التعبير؛ إلا أنها في أحايين كثيرة تقارب ماهية العمل الفني بالمادة البصرية التي تشكلها عين القارئ، وهو ما يصنع انسجاما وتوليفا بينها وبين شعور وأحاسيس القراء عموما. وبالرغم من هذه الواقعية التي تباشر الأحداث في صور تسجيلية، إلا أن انفعالات المبدعة وتشكيلاتها الإبداعية تجعل أعمالها مثقلة بالإيحاءات وحمالة لعُدة من الرمزية التي تنطق بأشياء أخرى منبثقة أساسا من حسها الانفعالي.
ولذلك وغيره؛ فأعمالها التشكيلية بكل ما تحمله من معاني تنفذ مباشرة إلى أعماق القارئ. كما أن الموضوعات التي تشتملها، تتوافر فيها الرؤية الموضوعية للحياة الاجتماعية والطبيعية وكل المشتملات التي تتبدى فيها تجليات الواقع بخصائصه المتنوعة، وهو تنوع في تصورات المبدعة وشمولية ثقافتها وموسوعيتها المعرفية والفنية. إن هذا التوافر يجعل من أعمالها خزانا لعوالم إبداعية تفصح عنها مختلف التعابير الي تبثها الألوان والعلامات المضمرة في الأشكال الواقعية، تدرجها بسياقات مختلفة، وهي تصب كلها في معالم الواقع والطبيعة ومختلف أشكال الحياة.
وهو ما يؤشر على وجود الحركة كأس واقعي يسري طيفه في شرايين لوحاتها، مما يجعل منها لوحات تفاعلية بأبعاد حقيقية ملموسة من الواقع. وهذا ليس بالأمر اليسير، فعملية بناء الفضاء على أنقاض الواقع المتعدد المضامين يدفع بالفنانة سنبال المومني لأنْ تُظهر المادة التشكيلية في شكل وجودي يتعمّد إشراك الحس الشعوري والعنصر البصري للقارئ على نحو من التعبير الدقيق، مما يكلفها الكثير من الدقة والمهارة والتوظيف التقني البديع. وهي تتوفق في عملية المعالجة وإبراز العمل الفني في رونق وبداعة، وذلك وفق ما قادته إليه تجربتها الفنية وحساباتها اللونية الدقيقة للعب دور فعال من خلال التعبير الصادق بكل أشكال البورتريه وأشكال الواقع، وهو ما يصنف أعمالها في قبة الصفوة التشكيلية المعاصرة.
إن سحرية أعمالها الواقعية غالبا ما تعتمد الاغتراف من بحور فنية وتجارب رائدة سواء على مستوى الخامات المستعملة أو ما يتعلق منها بالتقنيات المتجددة، وذلك لما تتطلبه صناعة الأشكال الواقعية وفق تعابير محددة، وتوظيف الألوان من دقة وضبط واعتناء بقيم السطح، وكلها عناصر ضرورية تُفضي إلى تأليف عوالم تشكيلية للواقع بمفرداته الفنية التي ترصد بعض الأشكال الإنسانية وتمنحها أبعادا قيمية وجمالية، وتشملها بالاستجابة الضرورية لما يتطلبه العمل الفني من معالجة تشكيلية، تجعل لوحاتها ناطقة بمعاني اجتماعية وانسانية، عبر رسائل صريحة إلى القارئ، ترسلها بقدر ما يستدعيه العمل الفني من لوازم، فإنها تنجزها بأسلوبها الواقعي المعاصر. إنها تسجل حضورها في الساحة التشكيلية المعاصرة بقوة، لأنها تستلهم من الفن الواقعي كل مكوناته الأساسية وعناصره ومراميه الإبداعية المتطورة، ويتمظهر ذلك جليا من خلال عدة توظيفات تشمل توزيع المساحة واللون، والشكل، والحركات والسكنات والكتل والتراكيب، وكل المفردات التي تزرع الحياة وتقود إلى إنتاج فني صادق.
محمد البندوري
لا يوجد حاليا أي تعليقات. كن أول من يشارك!