قبل 5 سنوات
الحضارة والماء: أية علاقة؟
إن للماء أهمية بالغة في حياة كل الكائنات الحية، فهو يشكل ركيزة هامة في المسيرة التاريخية، من تشييد المنشآت العمرانية وقيام الحضارات والحفاظ على تطورها وبسط الاستقرار والأمن وتوفير المأكل والمشرب، لذلك فإن الماء هو سبيل قويم لتقدم البشر وتطوره في كل المجالات الحضارية. وفي ذات السياق، له تأثير قوي بهذا المعنى في توجيه مسار الحضارات والتأثير في بنيتها بقدر ما تتوفر عليه كل منطقة من موارد مائية. ويمكن القول بأن هذا المجال الحيوي جدير بالعناية كما هو جدير بالبحث والتمحيص والدراسة، وذلك لأنه مفصل في فلسفة التاريخ وقضاياه الخصبة التي تقدم لنا نتائج تفيد البشرية من خلال تأثير المياه في التقدم التخلف، وفي تشكيل الحضارات. وهو ما يبين أن مجموعة من القضايا قد ارتبطت بقيام الحضارات؛ حيث أخذت سياقها من وجود الماء من عدمه، وكان للماء تأثير في قيامها أو عدم قيامها. فحتى الطرق التي يسلكها المسافرون ظلت في القديم وفي العصر الوسيط تحادي أماكن وجود المياه وفي الأماكن الحضارية. وهذا كله يقدم لنا خدمة لفهم العلاقة بين الماء والحضارة. لأن الماء قد ارتبط بحياة الإنسان ارتباطا وثيقا، وترجع أهميته الكبرى في بعث الحياة وضمان استمراريتها وتطورها وتقدمها والتأثير فيها بشكل مباشر.
ولاشك أن مختلف المصادر التي تعنى بثقافة المياه قد أكدت دورها في تأثير المياه في قيام الحضارات، وهو تأثير منه ما هو إيجابي وما هو سلبي، فالايجابي ارتبط بقيام عدة حضارات منذ الفترة القديمة، والدليل على ذلك أن معظم الحضارات قامت على ضفاف الأنهار كالحضارة الفرعونية وحضارة ما بين النهرين، من الحضارات التي ارتبطت بالماء ارتباطا وثيقا، فشكلت الموارد المائية عاملا لازدهار هذه الحضارات في عدة مجالات، خصوصا في المجال الاقتصادي الذي كان يعتمد على الفلاحة والزراعة بشكل كبير كما هو الشأن بالنسبة لمنطقة الغرب الإسلامي خلال العصر الوسيط، التي كان اقتصادها يقوم أساسا على النشاط الفلاحي الذي كان يتأثر بتقلبات الظروف الطبيعية خصوصا المناخ، فإذا توالت سنوات الجفاف؛ فإن ذلك كان يؤثر بشكل كبير على الإنتاج، وبالتالي يتضرر الاقتصاد وهو ما يشكل تأثيرا غير مباشر على استقرار الأوضاع السياسية بالكثير من المناطق. أما ما هو سلبي: فقد شكل نقاط صراع بين أفراد المجتمعات حول كيفية الاستفادة من المياه وكيفية تدبيرها كما أشارت إلى ذلك العديد من الدراسات التاريخية، والجغرافية، والاجتماعية، والدينية. وأشارت إليه كذلك بعض المصادر، ومن أهمها كتب النوازل والفقه التي كانت في صلب هذه الصراعات، ونقلت لنا الكيفية التي يتم بها التدبير وتدخل الدولة في ذلك. لهذا اعتبرت كتب النوازل من أهم المصادر التي أتاحت التعرف على أحوال الماء بالغرب الإسلامي وكل ما يحيط به من تقنيات وتشريعات ونزاعات سواء تعلق الأمر بمشاكل السقي، أو بالحقوق على المياه والأضرار التي ألحقت بأصحابها من جراء الغضب والتعدي وما تنتجه من خصومات تدخّل فيها الفقهاء وأفتوا في نوازلها من زاوية شرعية معتمدين أساسا على أهل الخبرة والمعرفة، ونجد هنا بالخصوص نوازل احمد الونشريسي صاحب كتاب "المعيار المغرب والجامع المعرب عن فتاوى علماء افريقية والأندلس والمغرب " ونوازل البرزلي صاحب كتاب " جامع الأحكام لما نزل من القضايا بالمفتين والحكام ". وكل هذا يمنحنا فهما عن العلاقة الوطيدة بين الماء والإنسان والحضارة.
عواطف الغالي
لا يوجد حاليا أي تعليقات. كن أول من يشارك!