قبل 11 شهر
ندوة علمية وطنية بمراكش حول “الأسرة المغربية بين أزمة النموذج وأسئلة تأطير مقاربات أدوار التربية الوالدية”
احتضنت قاعة الندوات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش يومه السبت 10 فبراير 2024 ندوة علمية وطنية في موضوع "الأسرة المغربية بين أزمة النموذج وأسئلة تأطير مقاربات أدوار التربية الوالدية" من تنظيم منظمة المجتمع المدني الدولية لقيم المواطنة والتنمية والحوار، بشراكة مع المركز الدولي لخدمة اللغة العربية، ومختبر اللسان والتواصل والبيداغوجيا والتنمية (سبل - التنمية).
وقد افتتح الندوة السيد عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية مراكش، الدكتور عبد الجليل الكريفة، رحب فيها بالحضور الكريم، ونوه بالأنشطة العلمية والأكاديمية التي ما فتئ ينظمها أعضاء مختبر سبل التنمية، والتي تشكل إضافة نوعية تعتز بها كلية الآداب والعلوم الإنسانية مراكش، وعبر في الوقت نفسه عن انفتاح الكلية على كل المبادرات التي من شأنها تأهيل الطلبة وصقل مهاراتهم وكفاياتهم. وقد أشاد بموضوع الندوة الذي يكتسي أهمية وراهنية، ويأتي في سياق الحوار الذي فُتح بالدعوة التي وجهها جلالة الملك محمد السادس لتعديل مدونة الأسرة.
وتلتها كلمة السيد محمد الزباخ رئيس منظمة المجتمع المدني الدولية لقيم المواطنة والتنمية والحوار التي استهلها بتقديم آيات الشكر والتقدير لكلية الآداب والعلوم الإنسانية على احتضانها لفعاليات هذه الندوة، وعبر عن سعادته وهو يلقي كلمته باسم منظمة المجتمع المدني الدولية لقيم المواطنة والتنمية والحوار؛ مستغلا الفرصة للتعريف بهذه المنظمة وبمختلف أهدافها الاستراتيجية، وعلى رأسها الوقوف في وجه ثقافة القيم المتوحشة التي أصبحت تهدد سلامة الإنسان والعمران، وصيانة البناء الهوياتي، والعمل من أجل تخليق الحياة العامة التي أساسها الإيمان بأن أسلحة الحوار هي الكفيلة بتدمير أسلحة الدمار.
أما كلمة الدكتور مولاي البشير الكعبة باعتباره رئيسا للمركز الدولي لخدمة اللغة العربية، فقد انصبت على أهمية التربية الوالدية بوصفها آلية تساعد على تنشئة الأجيال وتأهيلهم لمواجهة الحياة، ليصبحوا مواطنين صالحين في المجتمع، مشددا على أن الندوة لن تعالج كل الإشكالات المرتبطة بموضوع التربية الوالدية، بقدر ما تثير أسئلة جوهرية تلامس قضايا تدخل في إطار الوعي الجمعي والهم المشترك، وختم كلمته بالتنويه بسياسة التشجيع التي تنتهجها الكلية في شخص عميدها لكل المبادرات والأنشطة العلمية، والإشادة بالمجهودات التي بذلتها اللجنة المنظمة في سبيل إنجاح هذه الندوة.
وتضمنت الجلسة العلمية الأولى التي ترأسها باقتدار الدكتور عبد الجليل هنوش، أربع مداخلات كانت أولاها مداخلة الدكتور مصطفى الزباخ وتمحورت حول "التربية الوالدية وسؤال المرجعية الإسلامية" انطلق فيها من المرجعية التاريخية لمفهوم التربية الوالدية، والتي تجد أصولها في كتب التراث الإسلامية والنظريات التربوية التي نجدها في أبحاث العديد من المفكرين العرب القدماء أمثال: ابن خلدون، الغزالي، القيرواني... مما جعله يؤكد على ضرورة إزالة الالتباس الحاصل بين مفهوم التربية الوالدية التي تشمل الوالدين فقط، ومفهوم التربية الأسرية التي تتجاوز الوالدين إلى أفراد أخرى (الخال والعم والجد ..)، وقد أشار في نهاية مداخلته إلى أن تربية الأبناء على القيم الأخلاقية والنقدية والثقافية هي مشروع مجتمعي وحضاري ينبغي أن نوليه أكبر اهتمام، لما لها من دور في تربية الأبناء، وتأهيلهم لمواجهة الحياة بأسلوب تربوي شمولي أساسه الوسطية والتدرج والمرجعية الإسلامية.
وثانيها كانت للدكتور محمد الزعري وسَمَها ب "من الوالدية الإيجابية الى الأسرة الإيجابية" وهي عبارة عن خلاصة بحث ميداني جمعوي أنجزته "مؤسسة زاكورة" بناء على معطيات إحصائية شملت مجوعة من الأسر المغربية التي تعرف تزايد وتنوعا كبيرا وتواجهها تحديات كبرى، يشكل الانتقال من الوالدية الإيجابية إلى الأسرة الإيجابية الحل الأمثل لمواجهتها، وهذه التحديات هي:
ـ تحدي الهوية نتيجة الاستلاب الفكري ونموذج الاسرة المأمول من جهة وتعزيز الهوية المغربية والتعدد الثقافي من جهة ثانية.
ـ تحدي الهشاشة والذي يتجلى في تواضع الوضعية الاجتماعية والاقتصادية للأسر وتزايد فقرها.
ـ تحدي الصحة النفسية ذلك أن نمط الحياة المعاصرة أسقط الأزواج في فخ التوتر والضغط النفسي مما أدى الى غياب مقومات الحياة الأسرية المتوازنة المتمكنة من المقاربة النفسية والاجتماعية.
ـ تحدي التربية والتعليم في ظل التحول التكنولوجي والرقمي
ـ تحدي القيم في وقت نسجل فيه تراجع منظومة القيم.
أما ثالث مداخلة فكانت للدكتور والخبير لدى منظمة اليونسكو واليونسيف حميد بودار الذي تقاسم مع الحضور الكريم مجموعة من القضايا الإشكالية المرتبطة ب"أزمة النموذج في التربية الوالدية لدى الأسر المغربية"، مؤكدا على أن الهدف ليس هو استحضار الإشكالات، بقدر ما هو سبيل لاقتراح الحلول الإجرائية لأزمة النموذج، بالتركيز على الطرح الأكاديمي النابع من الأصول المعرفية النفسية والاجتماعية، ومساءلة التمثلات والذهنيات التي تنتقل لسلوكيات. وفي هذا السياق قد طرح مجموعة من الأسئلة المؤطرة للمداخلة من قبيل:
ـ كيف يمكن الفصل بين التنشئة الأسرية وبين التربية الوالدية؟
ـ كيف يتم نقل الأنماط القيمية الاجتماعية النفسية الثقافية من الجيل الراشد إلى الجيل الناشئ؟
وتدقيقا أكثر لإشكالية أزمة النموذج حذر الأستاذ المحاضر من الخطر الذي يهدد الهوية الثقافية أو كما يسميها "الثقافة الهوياتية" من الغرو الفرنكفوني الذي يجعلنا أمام نموذج وجودي أصبح يتدخل في كل أشكال التفاعل والتواصل اليومي داخل الأسرة والمجتمع ككل، إلى حد التباهي، ويزداد الإشكال خطورة عندما يتعلق الأمر بمرحلة المراهقة التي تتميز بإعادة إنتاج ما تم تلقيه وامتصاصه من الآخر بطريقة او بأخرى عبر أفعال وسلوكات، خاصة وأن اللغة حمالة تصورات وحمالة ثقافة وحمالة إيديولوجيات ...
وقد كانت للعنصر النسوي كلمته في هذه الجلسة الماتعة بعرض للدكتورة حياة الدغاي حول "أهمية طرق التحفيز الإيجابي في توجيه تربوي ناجح للطفل وكيفية تفعيله على مستوى السلوك"، وهي الباحثة التي تمثل المدرسة السلوكية في النموذج التربوي الأمريكي، لقد اعتبرت أن الرهان اليوم هو إعداد جيل يملك نظرة مستقبلية تتلاءم مع احتياجاته وتطلعاته الفكرية والمعرفية، وهذا لن يتأتى إلا عن طريق الإيمان بالدور الإيجابي للحافز الذاتي في تعديل السلوك التطبيقي عند الأشخاص (الأطفال) المتمردين ليتحولوا إلى أشخاص فاعلين إيجابين، مع ما يتطلبه ذلك من مقتضيات أهمها:
ـ زرع الثقة بالنفس في نفوسهم؛
ـ إدماجهم في أنشطة اجتماعية (المجتمع المدني)؛
ـ إيلا ء أهمية كبيرة لدور الأم والأب في التربية الوالدية.
ـ تعزيز المهارات الحياتية عند المتعلمين والطلبة.
اختتمت الجلسة العلمية الأولى بفتح باب المناقشة في وجه الحاضرين من أساتذة جامعيين وفاعلين تربويين وجمعويين وطلبة باحثين لإثراء ما جاء في المداخلات الأربع من قضايا وأفكار، وقد انصبت أغلب التدخلات على المسؤولية الملقاة على الوالدين من أجل رعاية أبنائهم، وحمايتهم ضد الغزو الرقمي الذي يجتاح الشباب ويهدد تمثلاتهم القيمية.
بقلم: محمد البندوري
لا يوجد حاليا أي تعليقات. كن أول من يشارك!