قبل 3 سنوات
الخط العربي: العوائق والحلول في مجال التعليم
يلعب الخط دورا محوريا في العمل التربوي، وذلك لما يرتبط به من حمولات تعليمية، منها ما يرتبط بمكوّن القراءة، ومنها ما يرتبط بمكوّن الكتابة؛ وهو يرتبط بمواد التدريس بشكل مباشر حيث تنعكس تجلياته بمختلف عناصرها على أداء التلاميذ. وبذلك فليست مهمة المربي أو المعلم أو الأستاذ هي تمرير شكل الخط بقدر ما هي مسؤولية كبيرة في تعميق التحول في قدرات المتعلم وجدانيا وثقافيا وتربويا بمجال الخط. ليس لأن الخط يحتوي على مقومات الجمال والحسن والزينة فحسب؛ ولكن لأن الله تعالى أقسم بالقلم وبما يكتب بالقلم﴿نٓوَٱلقَلَمِ وَمَا يَسطُرُونَ ١﴾القلم 1، وهو تشريف ومسؤولية تربوية، تهدف إلى ترسيخ قوامة الخط وتعميق الرؤى الروحية والثقافية من خلال المنظومة التعليمية في ذهنية الناشئة. فالخط يشكل أعمدة ومداخل تدل على القيمة الخطية روحيا ووجدانيا ومعرفيا وثقافيا وفنيا.
وإذا كان الخط هو المسجل الرئيس للمتعلم كل ما يتوصل به في عمليات التدريس داخل الفصول من علوم ومعارف، فإنه في الآن نفسه هو الدال على فهم المقروء. لكن ثمة مشاكل تعتري هذا المجال وتسهم في تدني مستوى الخط في المنظومة التربوية عامة لأسباب متعددة منها:
1- العوامل التقنية:
- طغيان المجال الرقمي، مما يسبب انعكاسا سلبيا على المجال الحس حركي لدى المتعلم.
- ميول المتعلم إلى الكتابة بالحاسوب عوض اليد مما يفقد المتعلم أو الأستاذ على حد سواء مجموعة من المهارات اليدوية ويؤثر على القيمة الوجدانية والقيمة التعبيرية واللغوية، ويظهر ذلك جليا في كتابة مواضيع إنشائية أو رسائل أو ما شابه ذلك.
- العوامل العضوية:
- وجود حالات مرضية تحد من القدرة على التحكم بشكل سليم في القلم.
- انعدام القدرة على مواصلة عملية الكتابة بشكل مسترسل، حيث غالبا ما يحصل عياء متكرر للمتعلم.
-ضعف البصر لدى المتعلم والجهل به من طرف الأستاذ أو الوالدين.
-قلب الحروف بطريقة عكسية كما تبدو في المرآة وهو ما يتعلق بقلب النظر
- ضعف السيطرة على وضعية الجسد والاخلال بالطريقة الصحيحة لوضعية اليد والأصابع.
3- العوامل النفسية:
- وجود انفعالات باطنية لدى المتعلم تؤدي إلى الرعشة التلقائية أو وجود رعشة نتيجة الخوف.
- انعدام الرغبة في الكتابة
- الكسل والتراخي
- القلق والاضطراب النفسي لأسباب تتعلق بالوسط العائلي أو الوسط المدرسي
4- العوامل المادية:
- عدم تعلمالكيفية الصحيحة لقبض القلم، إما لأنه لم يركز مع الأستاذ في المراحل الأولى من التعلم، أو لأن الأستاذ لم يلقن هذه الكيفية إما لعدم درايته بها ففاقد الشيء لا يعطيه أو لأنه أهملها وركز على تعلمات أخرى.
- وضع الورقة أو الدفتر في وضع غير مناسب أثناء عملية الكتابة، واكتساب وضع سلبي خاص دون تنبيه مستمر من الأستاذ.
- ضعف أو انعدام التعليم الصحيح في رسم الحروف ومعرفة مقاييسهابالدقة المطلوبة.
عدم ضبط عمليات تقدير المسافات بين الحروف وبين الكلمات وأحجامها، وهو ما يخل بالمعاني السبعة لجودة الخط التي ذكرها أبو حيان التوحيدي وهي: " الخط المجرد بالتحقيــــــق[1]، والمحلى بالتحذيــــــق[2]، والمجمل بالتحويــــق[3]، والمزيـــن بالتخريـق[4]، والمحسن بالتشقيق[5]، والمجاد بالتدقيق[6]، والمميز بالتفريق[7]."
- تبديل الحروف
- عدم الكتابة على السطر
- انعدام الجودة في القلم
وقبل تقديم بعض الحلول لهذه الأسباب لا بد من التطرق إلى أسباب الأسباب وتتعلق أساسا بالمربي والمعلم والأستاذ، باعتباره محور العملية التربوية والركيزة الأساسية في توجيه عملية الكتابة والقراءة بهذا الخصوص.
1- جهل المربي والمعلم والأستاذ بقواعد الخط وضوابطه وتقييداته.
2- الجهل بالعواملالنفسية والعضوية.. المسببة في رداءة الخط
3- أحيانا يكون المدرس ذا خط رديء فيتأثر به المتعلم
4- عدم توجيه المتعلم وترشيده لتجويد خطه وتذكيره بشروط الجودة أثناء عملية الكتابة
5- عدم وجود تأطير تربوي يخص هذا المجال
6- قلة البحث من الجانب التربوي في هذا المجال
7- ضعف القدرة لتطوير المفاهيم المرتبطة بالخط لتنمية المهارات
8- غياب مادة الخط في المنظومة التربوية في كل الأسلاك التعليمية والاقتصار على مكون في زمن قليل جدا في المستويات الصغرى من السلك الابتدائي.
ويتبدى من خلال ما تقدم أن ثمة مشاكل مترابطة حاضرة بحمولتها في المنظومة التربوية وهي تقع في صلب العمليات التعليمية، وتؤثر في تكوين المتعلم وفي نشوء خلل في عملية الكتابة عبر أطوارها في كل فترات التمدرس. وهو مايحتاج إلى وعي،ويتطلب نضجا لاحتواء هذا الوضع، وهو خيار يروم واقع الخط من الزاوية التربويةلما له منتأثير مباشر على الوضع التربوي العام للمتعلم، دون وجود آليات وبرامج لاحتوائه.فكم من التلاميذ يرسبون في الامتحانات الإشهادية أو يتحصلون على معدلات دون مستواهم الدراسي الجيد بسبب ضعف الخط، وهم لا يعزون ذلك الإخفاق إلى ضعف الخط بل يرمون باللوم غالبا على عمليات التصحيح. وقد عمقت هذه المشاكل في كثير من مراحلها الدراسية من ضعفالتكوين وانعدام الوعيبأهمية الخط وما يترتب عنه من إخفاقات تربوية مما يفاقم من حدة المشاكل التربوية..
وإذا أردنا أن نعالج هذه الإخفاقات بقدر يسير من المرونةفإن ذلك يقتضي أولاأن نتصالح مع الخط في منظومتنا التربوية، ونستحضر بعض المناهج الأساسية لتدريس مادة الخط. والوقوف على مختلف التقنيات والكيفيات المساعدة لنقل الخط من وضعية التقييد إلى البؤرةالديداكتيكية سواء ما تعلق بما قدمه أساتذة الخط القدامي أو ما سطره أساتذة الخط في الفترة المعاصرة. ولا شك بأن أول خطوة هادفة في ذلك هي إعادة النظر في طرائق الكتابة السائدة في المقررات الدراسية، وعلى السبورات وفي الدفاتر. ويجب تبسيط الحلول وتسطير الأهداف وفق منهجية ناجعة.
1- تقديم لمحة تاريخية موجزة عن الخط العربي لشد المتعلمين وربطهم بالهوية.
2- يجب على المربي والمعلم والأستاذ معرفة قواعد الخط العربي وضوابطه وتقييداته
3- تمكنالمربي والمعلم والأستاذ من كيفيات تطبيق الخط في السبورة والدفتر في نطاق قواعده المتعارف عليهاوإخضاعه لمجال القياس بنظام الأسطر.
4- دفع المتعلم للاستئناس بأسطر الدفتر وتوزيع أسطره
5- التشجيع والتحفيز والتهيئة النفسيةللمتعلم
6- توليد الرغبة لدى المتعلم وتحبيبهفي الكتابة الجيدة.
7- مساعدة المتعلمين على تقديرالمسافة اللازمة بين أعينهم وبين الدفتر
8- تدقيق الأسطر في الدفتر بين السميكة والرقيقة حتى يتمكن المتعلم من ضبطها
9- استثمار المربعات الموجودة في الدفتر لرسم أشكال دوائر أو أنصاف دوائر أو مثلثات أو أشكال بيضوية يتم من خلالها استخلاص حركات الحروف ثم رسم الحروف في نطاق أنشطة خطية.
10- إعطاء فرصة للمتعلمين للاستمتاع بالتعلم وبرسم الحروف مفردة ومركبة والاستمتاع بإنتاج عملية الكتابة في نطاق أنشطة.
11- يتم في البداية السير وفق نسق تدريجي في كتابة الحروف عن طريق كتابة الحركاتقبل الحروف.
12- التفاعل وفق المجالالفارقي في الفصل لأن المتعلمين يختلفون فيسيولوجيا ونفسيا.. أي التفاعل في مكون الخط مع كل متعلم باستراتيجية خاصة باعتبار الفروق الفردية وأن لكل متعلم استقلالية ذاتية فتلزم كل واحد تقنيات محددة ومهارات خاصة.
- إكساب المتعلم الطرائق الصحيحة في الجلوس ووضعية اليد والأصابع وطريقة مسك القلم واختيار القلم المناسب للكتابة ومراعاة اتجاه وضع الدفتر.
14- الفصل بين الكلمات والجمل ومراعاة مقاييس الحروف
15- العمل بالمحاكاة عن طريق تعويد المتعلمين على الكتابة على السبورة لاكتساب الثقة والمهارة
16- إشعار المتعلمين بالارتياح مع النطق بين الفينة والأخرى ببعض التقنيات لترسيخها في ذهن المتعلمين.
17- الحرص على النظافة والنظام والترتيب
18- سلك مسار التبسيط،ثم تدريبهم على الكتابة بحروف وكلمات يتميز بعضها عن بعض من حيث الحجم والشكل والنقط.
19- التركيز على تنمية الرؤية البصرية لضبط أشكال الحروف ومقاييسها.
20- تنمية المدارك الجمالية لدى المتعلمين وتنمية أذواقهم الفنية من خلال التفاعل الجمالي مع أشكال الحروف مفردة ومركبة.
21- تعزيز الروابط التربوية بين مكون الخط ومكون القراءة.
22- إفهام المتعلمين أنهم بصدد رسم الحروف وليس كتابتها (البعد السيكولوجي)
23- إكساب المتعلمين مهارات يدوية تساعدهم على التجويد الخطي.
إن الاعتناء الجيد بأهمية الخط سيسهم لا محالة في الأداء التربوي الجيد، بل ويُسهم في تنميةالذوق الجماليبنوع من الخصائص الفنية التي يتطلبها المجال التربوي.وهي تضمر في حيثياتها مقصديات تربوية وصفات خلقية ومرجعيات أساسية.فهي وإن كانت تروم عمليات التزيين والتجميل والتنميق الخطي؛ فإنها في الوقت ذاته تتصل بالهوية العربية الإسلامية وبالهوية الوطنية وتنتج المواهب على مستوى الخط والحروفية.كما تربي على الصبر وقوة الانتباه وقوة التركيز والنظافة والتمعن ودقة الملاحظة والترتيب والتنظيم والموازنة والتنسيق.وهي مقومات أساسية في التأثير على السلوك وتهذيبه.
ولكل ذلك؛ يجب تجاوز المنحى السائد في التعامل مع الخط في المنظومة التربوية، وتجاز الآليات المتحكمة في تدبيرهإلى بنية خطيةذات أسس علمية ومعرفية تستجيب لمتطلبات الوقت الآني وتبرز أهميتها أساسا في المكونات الأداتية في كل سلك دراسي، وتظهر مقدرته أكثر في مختلف عمليات التوظيف الأمثل سواء في النصوص أو في الإجابات المتعلقة بالامتحانات.
إن الوعي بهذا البعد والتفاعل معه وكيفية رؤيتهمن خلال تطبيقات موضوعية متنوعة، قد يفيدالانتقال من الرؤية الجمالية العادية إلى الرؤية الجمالية الموضوعية طبقا لاختلاف المنحى المعرفي والثقافي والتربوي ثم يؤتي نتائجه الموضوعية.
[1]إبانة الحروف كلها منثورها ومنظومها مفصلها وموصولها بمداتها وقصراتها وتفريجاتهاوتعويجاتها، ثلاث رسائل لأبي حيان التوحيدي، ص 31.
[2] إقامة الحاء والخاء والجيم وما أشبهها على تبييض أوساطها، نفسه، ص32
[3]والمراد بالتحويق: إدارة الواوات والفاءاتوالقافات وما أشبهها مصدرة ومتوسطة ومذنبة بما يكسبها حلاوة ويزيدها طلاوة، نفسه، ص 32
[4]والمراد بالتخريق تفتيح وجوه الهاء والعين والغين وما أشبهها، نفسه، ص32
[5]والمراد بالتشقيق، تكنف الصاد والضاد والكاف والطاء وما أشبه ذلك، نفسه، ص 32
[6]والمراد بالتدقيق تحدد أذناب الحروف بإرسال اليد، واعتماد سن القلم، نفسه ص32
[7]والمراد بالتفريق حفظ الحروف من مزاحمة بعضها لبعض، وملابسة أول منها لآخر. نفسه، ص 32.
د محمد البندوري
لا يوجد حاليا أي تعليقات. كن أول من يشارك!