قبل 5 سنوات

روبورتاج: طالب معاشو “لي جاب النهار اديه الليل الحايك للسوق والعشا منو”

يستيقظ أحمد قبيل صلاة الصبح بقليل، الوقت الذي يسمح له بالتوضؤ قبل آدان صلاة الصبح لكي يستطيع ان يدرك صلاة الجماعة بمسجد الحي، عادة ما يتناول فطوره عند للا السعدية "مولات الحريرة" التي تكون قد وصلت قبل الجميع في الساعات المبكرة صباح كل يوم طيلة الأسبوع، تجدها في مدخل الحي واضعة قدر الحريرة ويتحلق حولها العاملون المتوجهون إلى أعمالهم في البناء او التجارة وغيرها من الأعمال البسيطة، وعندما تغيب عن الموعد فالمانع ليس خيرا بالضرورة، قبل الاتجاه نحو الحارس الليلي ليأخذ عربته التي يجرها بنفسه، ورغم انها عربة تبدو اكبر من تجر باليد إلا أن حالة "طالب معاشو" هي تلك منذ أجيال عدة.

"طالب معشو" مهنة الكفاف والعفاف

يتجه العربي بعربته نحو سوق لالة رقية بالقرب من جامع الفنا وهناك يلتقي زملاء له في المهنة، رجال يبدو من قسمات وجوهم أنهم نالوا قسطا من المحن والشقاء، مصطفين على جانب سور بالقرب من مدخل السوق، في انتظار أحد ما، يرغب في نقل أغراضه او سلعه، في هذه الساعات المبكرة، التجار فقط من سيسألون خدمة "طالب معاشو"، لنقل سلعهم إلى محلاتهم داخل السوق، ومع تقدم ساعات النهار يكون المتسوقون قد بدأوا بإخراج مقتنياتهم وهم في حاجة إلى من ينقلها إلى بيوتهم او إلى سياراتهم المركونة غير بعيد عن المكان.

احمد رجل سبعيني اختفت لكنته الأمازيغية، فالرجل يشتغل في سوق لالة رقية كـ"طالب معاشو" منذ ما يقارب الخمسين سنة، ولو بشكل متقطع.

أوقف احمد عربته بجانب زملاءه وأدارها باتجاه الرصيف، ثم وضعها متكئة إلى الامام واتجه نحو زملائه ليتبادل معهم أطراف الحديث الصباحي، حديث قد يبدد ملل انتظار زبون قد يتأخر أكثر من اللازم.

محمد زميل أحمد في نفس السوق رجل هو الآخر في السبعينيات من عمره، منذ ثلاثين سنة وهو يشتغل كـ"طالب معاشو"، انتقل إلى المدينة منذ الثمانيات مهاجرا من قريته بعد أن لم يجد بدا من ذلك جراء تراجع إنتاج الزراعة المعيشية التي كان يزاولها في بلدته، فالأراضي البورية لم تعد قادرة على تلبية حاجاته المعيشية.

اختار أن يكون حمالا لأنه العمل الذي استطاع أن يجيده في ذلك الحين، وبقي إلى الآن يجر عربته ويحمل سلع الزبائن، ولا زال يعيل أبناءه المتمدرسين لحد الآن من هذه المهنة، مهنة بالكاد تسد رمق الأسرة.

محمد يؤكد أنه يمكن أن يقضي النهار كاملا في انتظار زبون محتمل لكنه قد لا يأتي لكن يمكن للأمر أن يكون مختلفا في أيام أخرى "خدمة الموقف هي هادي نهار إجيب الله ونهار لا" هكذا يقول محمد، وبالنسبة له فالأمر لا يعود لكون أصحاب "طالب معاشو" كثر لكن فقط لأن "الوقت عيانة" كما يقول.

الرجل ليس لديه افق معين ليتقاعد إذ يقول "ماحدنا قادرين ها حنا خدامين"، إذ أنه لا معين له ولأبنائه سواه، لدى فهو مجبر على الاستمرار في هكذا عمل ك"طالب معاشو" إلى آخر يوم يستطيع فيه جر عربته.

بين الأمس واليوم

"طالب معاشو"، كان له دور مهم أكثر مما هو اليوم داخل المجتمع المراكشي بل في كل المدن المغربية، كان الوسيلة الأكثر ملاءمة لنقل كل ما يمكن نقله، هؤلاء الرجال البسطاء اختاروا هذه المهنة بحثا عن الكفاف والعفاف، مهنة رغم بساطتها فقد تغنيهم عن السؤال وتحفظ عزتهم وكرمهم، أناس يبحثون عن قوت يومهم لا أكثر، يحضرون لقمة طيبة لأبنائهم، دون الحاجة إلى السؤال، لكن اليوم لم يعد الأمر سهلا على مثل هذه الفئة، "الكروسة هي عيش لا تموت" بقول احمد ويضيف "لي جاب النهار اديه الليل، الحايك للسوق والعشا منو".

يقول محمد أشياء كثيرة تغيرت منذ أول يوم بدأ فيه مهنة "طالب معاشو"، هو لا ينكر أن السنوات الماضية كان الأمر أحسن ولو بقليل مقارنة بأيامنا هاته، فمحمد يؤكد أنه في الماضي كانت المعيشة أقل كلفة من الحاضر، اما اليوم فجميع السلع قد تضاعف ثمنها ما زاد من أعباء الأسر التي في مثل حاله.

أما بالنسبة لأحمد ففي الماضي الأمور كانت أصعب مما عليه اليوم، حتى تعامل الناس مع "طالب معاشو" قد تغير، وعلى العموم فالأمر أحسن اليوم في التعامل مع الناس، وبالنسبة لثمن الخدمة يقول "طالب معاشو" في عادته لا يفاوض الزبائن حول تمن الخدمة "لي سخاه الله ب شي حاجة كايعطيها" وعلى العموم فالرجل يبدوا راضيا وقانعا رغم قلة ما قد يلتقطه خلال نهاره، "واحد كايخلص على واحد" يقول أحمد، الذي يؤكد أن النساء أكثر سخاء من الرجال، ذلك ما عاهده خلال سنوات عمله.

هل غير التريبورطور موازين القوى

لقد غزت الدراجات الثلاثية "التريبورطور" الشارع المراكشي، وأصبحت تنقل السلع والبضائع والأشخاص أيضا، هذا المستجد قد أثر على مهنة "طالب معاشو" حسب البعض لكن آخرون منهم أيضا يقولون إنها وسيلة جيدة، طورت من إمكانيات عملهم ودليلهم في ذلك أن العديد ممن كانوا يشتغلون كـ"طالب معاشو" أصبحوا اليوم يمتلكون دراجة ثلاثية وهو أمر حسن، ويعتبرون أن عملهم قد تطور ويمكنهم الذهاب إلى مشاوير أكثر بعدا مما كانوا يستطيعون بالعربات المجرورة.

إلا أن كل من أحمد ومحمد ليسا من هؤلاء وأمثالهما كثر، فهما رجلان متقدمان في السن، وليست لهما الإمكانيات المادية لشراء دراجة "تريبورطور"، لدى يبقيا متشبثين بعربتيهما المجرورة يدويا رغم تراجع المهام اليومية التي يقومان بها وبالتالي تراجع المداخيل التي لم تكن بالشيء الكثير في أصلها، وكل ذلك ينعكس على الوضعية الاجتماعية التي هي الأخرى لم تكن جيدة بما يكفي.

محمد قال أنه ليس باستطاعته شراء التريبورتور، ويؤكد أن الأمر ليس مختلفا كثيرا، فالكل يسعى إلى لقمة العيش التي أصبحت صعبة على الجميع سواء صاحب "التربورطور" او صاحب عربة عادية، ووفي ذات السياق يقول احمد: "كل واحد ورزقو الله فرق الأرزاق" سواء كان صاحب تريبورتور أو صاحب عربة.

فتأثير الدراجة الثلاثة على "طالب معاشو" ليس كبيرا حسب ما صرح به احمد، فهذه الوسيلة تستخدم من قبل الزبائن من أجل المشاوير البعيدة، مشاوير ليس باستطاعة صاحب العربة أن يقوم بها، وقال أنه في الماضي كان "طالب معاشو" يمكن أن ينقل بضائع الزبائن من المدينة القديمة إلى غاية الداوديات أو سيدي يوسف بن علي، مؤكدا أن باقي الاحياء لم تكن بعد عامرة بالسكان، واليوم أصبحت الأحياء كثير وأكثر بعدا لدا لا بد من وسلة نقل أخرى تستجيب لطلبات سكانها، فكانت "الهوندا" وبعدها "التريبورتور".

يقولان ذلك رغم ان الاثنان لا ينكران أن بعض الزبائن يفضلون "التربورتور" خاصة في المشاوير الطويلة، إد بإمكان هذه الدراجة نقل السلع وصاحبها في آن واحد.

مهنة "طالب معاشو" مهنة الكفاف والعفاف، ليست بالضرورة مهنة يختارها أصحابها، فالكثير منهم هي اختارتهم، بعد ان لم يجدوا بديلا يسدون به رمق أبنائهم، بل أغلبهم استطاع أن يؤدي رسالته في الحياة مثل احمد الذي عبر عن ارتياحه لما انجزه في حياته فقد استطاع تربية أبنائه الذين أصبحوا مستقلين اليوم، وكل منهم قد أسس أسرته ويعيش معها، مؤكدا أنه لم يعد مجبرا على العمل بنفس شقاء الماضي.

هذا في الوقت الذي يبدو أن مشوار محمد لا زات تنتظره فيه بعض السنوات، رغم تقدمه في السن، ريثما يتم أبناؤه دراستهم ويستقلون بذواتهم، ويعيلونه وأنفسهم.

ورغم ذلك "فطالب معاشو" لا زال يؤدي خدمات مهمة في المجتمع، فهو الذي ينقل البضائع والأثاث ومشتريات المتسوقين، رجل لا يمكن الاستغناء عنه في كل الأحوال.

روبورتاج : عبد الصادق الكرناوي

لا يوجد حاليا أي تعليقات. كن أول من يشارك!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *