د. محمد البندوري
شكل النص المرصع في لوحة "البردة" للفنان الخطاط والحروفي محمد بديع البوسوني، والذي تمّ اعتماده بمتحف "ديواني"؛ نطاقا فنيا وحلقة حضارية مهمة في التاريخ العربي الإسلامي، فقد امتدت المظاهر الخطية بجمالياتها في هذا العمل إلى عمق الأوصاف التي تبرز النجمة الخماسية، أو ما يُعرف بالنجمة الشريفة أو نجمة الشرفاء العلويين، المكوّنة باسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، باستخدام خط الثُّلُث المشرقي، المنفذ بماء الذهب على خلفية زرقاء داكنة.
ويسترسل النص وفق مستلزمات العمل الإبداعي برؤى فنية وجمالية. إذ لعب الخط المغربي دورا ساميا في تشكيل قصيدة البردة، التي أضافها متحف "ديواني" في الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة إلى مقتنياته. وتُعَدُّ هذه التحفة الفنية التي تُبرز أهمية البحث ونجاعته مرحلة هامة لإحياء وتجديد الخطوط المغربية الأصيلة. باعتبار أن الفنان الباحث قد استند في هذا العمل إلى إبداع خاص استخدم فيه الخطوط التي ابتكَرها، هي مستوحاة من التراث المغربي العريق، واستخدم الخط الثُّلُث المغربي البديع المحلى بالذهب الخالص على خلفية زرقاء، ما جعل النص يتمظهر وفق فارقية فنية. زاد من حدّة ذلك توظيف الخط المبسوط المغربي البديع، بتناوب لافت بين الحبر الأسود والذهبي، وهي تقنية مبتكرة سجل بها المبدع صيغة متفردة سَبْقا إبداعيا في المشهد الخطي العربي، بقيمة فنية وجمالية، شكلت من خلالها الزخارف المستعملة انعكاسا للهوية المغربية الأندلسية الخالصة، بدءا من السلسلة المذهبة ذات الطابع المغربي، ووصولا إلى العنصر الفني المعروف بـدرج وكتف الموحدي، الذي يظهر في أعلى الإطار وفي تصميم الشمسية السفلى التي تحتضن النجمة الخماسية.
وبذلك، فقد ظل الفنان محمد بديع البوسوني وفيّا للإبداع بتطوير الأسلوب الخطي والتفاعل مع النص بنوع خاص من الجماليات، في نطاق فني يتصل بالتطور الحضاري العربي الإسلامي عموما، ويقترن بعدة مقومات فنية ومكونات جمالية تتصل بالبديعيات المستحدثة لغرض التشكيل الخطي المعاصر وفق مسالك مستحدثة اقترانا بالمظهر الحضاري المتطور وتأثيره على المجال التقني. واقترانا كذلك بممارسة الكتابة وفق الشكل التجديدي المؤثر في الإبداع بشكل غير مسبوق. وقد ساهم هذا الجهد في صنع هذه اللوحة التي تتعدد دلالاتها ومعانيها. خاصة وأنها تُعتبر أكبر عمل فني كُتب بالخطوط المغربية بمقاس 200سم على 90سم.