قبل 5 سنوات

قيمة التكتل الحروفي في أعمال الحروفي السوري خالد الساعي

يتميز الفنان الحروفي خالد الساعي بقدرته الخارقة على تكتيل الفضاء بمواد حروفية مركبة تركيبا دقيقا وفق نهج صباغي طبقي متعدد المرامي الفنية، وهو بذلك يبرز تجربته الرائدة في مجال الحروفيات وفن الخط العربي، ليقدم مشاهد جمالية رائقة من تجربته الغنية التي غدت بصمته الخاصة في مجال الفن الحروفي، حيث تتناغم أعماله بين إيقاعات الحروفيات والألوان المتناسقة والخطوط والأشكال الباسقة، وبين امتزاج الخطوط العربية بأساليب فن التشكيل المعاصر. إن الفنان خالد الساعي قد أحدث لنفسه أسلوبا فنيا شخصيا دخل به مجال العالمية والنجومية الحروفية، فاتجه نحو التعبير في تشكيلاته بخطوط ذات حركات يبسط أشكالها بأبهى كلفة فنية، وبأبلغ قيمة تشكيلية ممكنة في الفضاء. وبذلك؛ ففي المنظور النقدي، يتبدى أن القاعدة التشكيلية لديه هي فن يحقق به أشكال حروفية جديدة يطلق من خلالها سراح الحرف ويحرره من كل القيود، فيبتكر بوهج فني فريد، ويبدع برؤى جمالية منقطعة النظير، وينوع في الشكل وفي الكثافة والتموقع اللوني والحرفي أفقيا وعموديا، علويا وسفليا، داخل الفضاء بنوع من الزينة والجمال اللذان يؤثران على الرؤية البصرية، مما ينمي القدرات الفنية للقارئ ليتفاعل مع أعماله بحس أكثر وتجاوب أكبر.

وهي مكونات أساسية في أعماله الإبداعية تترسب في ذهنه فيطبقها بقدر ما يستدعيه العمل. وهذا من مميزاته في نحت أسلوب سوري عربي عالمي من خلال الخط والتشكيل تنتج عنه مجموعة من العلائق بين جماليات الخط وجماليات التشكيل، مما يفضي إلى إنتاج عدد من الدلالات والمعاني البلاغية. وفي هذا النطاق؛ نجد نوعا كبيرا من التوازن الإبداعي بين مجالات الخط بكل مكوناته وحمولته الثقافية والفنية والبلاغية وبين التشكيل وما يحتويه من فنيات وجماليات معاصرة، وهو بذلك يخلق انسجاما وتوليفا مائزا بين العنصرين عن طريق انصهار الحروف في الألوان وتَشَكل الألوان بأشكالها في الحروف. وهذا يتأتى عن طريق تطويع الحروف وإبراز بلاغتها داخل النسيج اللوني وتطويع الألوان وإبراز قيمتها الفنية في الحروف والتراكيب والأشكال، وهو ما ينم عن بلاغة الفنان العالمي خالد الساعي وقدرته الفنية والإبداعية على اختراق اللون والحرف بطعم جديد وحلة شكلية جديدة ورؤية فنية جديدة.

وهو ما أنتجته خبرته العالمة في التفاعل مع الأشكال التعبيرية الحروفية واللونية بقيمة جمالية أكثر روعة وأوسع نطاقا. إن أعماله تحمل خصائص فنية فريدة، وذلك ناتج عن استلهامه من عناصر الخط العربي كل الغايات الإبداعية ذات الصيغ الجمالية المتنوعة من حركات وسكنات وكتل وتركيبات واسترسالات وتدويرات ومدود؛ ومن جماليات الفن التشكيلي كل أساليبه الفنية المعاصرة وهو ما يحدث بين الحين والفين سمفونيات موسيقية تبث الحركة في أعماله الفنية الرائقة. فهو يشتغل بوعي، ويدري كل الكيفيات اللازمة الخاصة بعمليات توظيف النقطة والحرف، وتوزيع المساحة واللون في فضاءات أكثر شساعة، ليُولّد الإبداع الحروفي والفني والجمالي الحقيقي الرائد، لتتبدى مختلف الجماليات جلية في نسق مظهري بديع. إن تجربة الفنان الكبير العبقري الفريد خالد الساعي قد تحققت في لغة حروفية عالمية، لتضحى أيقونة دالة على مرامي كثيرة من التعابير ذات المضامين التي تحددها جملة من المعاني والدلالات، بل إنها بدورها تحدد مجموعة من العلائق الباطنية والشكلية بقيمة كبيرة تطفو على نطاق أوسع في المشهد الحضاري السوري والعربي والعالمي، وتتمظهر بريقة في الوعي الفني باعتباره أسمى قيمة ترسم أجل الأهداف. وهي أيضا وسيلة المبدع خالد لبث رمزية الفن الحروفي، وبث مقطعية الفن التشكيلي مع الخط العربي والتي تغذي التجربة العربية الفنية الجمالية بتعدد اتجاهاتها وأساليبها الفنية والحروفية، وذلك لما تشكله جملة من التقنيات العالية جدا التي يوظفها المبدع بغنى مهاراتي في أعماله الرائعة، فيطاوعه تشكيل الحروف في أنساق جمالية في المنظومة الحروفية العربية تبرز الخط العربي بتكويناته الفنية وبناءاته التركيبية وخصائصه الجمالية في المبهج الحضاري رائقة شامخة تنطق بالدلالات والمعاني السامية.


إن الفنان الحروفي خالد الساعي يهدف لتبويء الحرف العربي - في إطاره الرمزي المجرد- مكانة عالية في الفن العالمي، وتوصيله إلى قيمة فنية قائمة بذاتها، وقيمة جمالية فريدة في نسيج الحروف المركبة عالميا، وهو ما تؤكده جل أعماله من خلال مظهريتها الفريدة بإيقاعاتها الفاتنة، وبألوانها المتناسقة، وخطوطها الباسقة، وأشكالها الفارهة، وبتبادلاتها القويمة وباسترسالاتها العظيمة وبتداخلاتها القهارة للعيون، وبنسبها المحكمة. إنها صيغ جمالية إبداعية صرفة، تسبح في بحور التجويد الحروفي بأوفر قدر مما تتطلبه المرحلة المعاصرة. ولا يمكن اعتبار هذا النقد الجميل من صميم عشقي للحرف كما قد يقول البعض – وإنما لأن المبدع خالد سامي أضاف الجديد تلو الجديد للأسلوب الحروفي العربي وعظّمه في صفوة الفن العالمي، ورسم له مكانة رائقة في المبهج الفني العالمي، وقدّم الحرف العربي في حلل متنوعة، ذات قيم تعبيرية وجمالية وفنية مغايرة للمألوف السائد بمنطق جمالي فريد، وبطرائق إبداعية جديدة، وباستعمالات مفرداتية فنية حمالة لأبعاد فلسفية ورؤيوية خصبة في التعبير، وبتنظيم محكم للمادة الحروفية برمتها، وبتنظيم دقيق جدا للمادة اللونية. وكل هذا ينم عن الإمكانات التقنية الهائلة للفنان خالد الذي يتحكم في تدبير الفضاء الحروفي الناعم بقدر وافر من التجربة الفائقة، والخبرة اللائقة. لتظل أعماله غاية في السحر والإبداع والجمال، وتزيد رونقا وبهاء وجمالا كلما امتد الزمن.
محمد البندوري

لا يوجد حاليا أي تعليقات. كن أول من يشارك!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *