قبل 5 سنوات
عباس أرحيلة يكتب عن نازلة “كورونا” وحضارة الغرب الحديث
ظلت حضارة الغرب الحديث سادرة في غيِّها، مغترَّة بفتوحاتها في المجالات العلميّة والمعرفيّة، وبما نهبتْه من خيرات المستضعَفين في الأرض في سياق حركاتها الاستعماريَّة.
انخدعتْ بتوجيهات عقولها المجرَّدَةِ عن كل توجيهٍ إلهيٍّ، وقد جعلت منها معبودَاتها الجديدة.
واعتبرت ما حقَّقته من منجزات ماديَّة من آثار جهودها، وما تميَّزت به مواهبُها بين شعوب الأرض.
وتأتي نازلة (كورونا) لتعيد إلى الأذهان تاريخ الأوبئة وأخطار العدوى، وتاريخ الأفكار الإمبريالية وتطبيقاتها في المستعمرات، وانهيار ما ظلت تدَّعيه الدوائر الأوربيّة من قيم؛ آلت بها اليوم إلى أن ينفرط عقدها وتجد نفسها اليوم محاصرة في بيوتها؛ تراقب بهلع ما تشهده (خيراتها) - التي جَمعتْها من نهب الشعوب وتفقيرها وبيع الأسلحة إليها - من انهيارات مدوية في أرجاء المعمورة. وأهمُّ ما حملته (كورونا) إلى الأذهان – ومنها أذهان الدول المتقدِّمة - أن أغلب سكان الأرض يعيشون في غفلة من أمرهم. نسُوا ما ذكٍّروا به في الرسالة التي وضعت نقطة الختم للتجربة البشريَّة على الأرض. عليهم أن يعودوا إليها؛ ففيها حديث طويل عريض عنهم؛ عن كل أحوالهم ومواقفهم وتجارهم في دنياهم ومآلاتهم في أُخْراهم. نَسُوا قول ربهم سبحانه وتعالى: ﴿إنَّ إِلىَ رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾ [العلق:8]. نَسُوا مصدر ما ظهر عليهم من نِعَم، نَسُوا المُنعِم، والتمسوا ذلك في قواتهم كما صوَّرَتْها لهم أوهامُهم، ولم يُرجعوا تلك النِّعَمَ إلى صاحبها الذي أنعم بها. وما طبيعة تلك النِّعَم؟ يأتينا صوت من زمن فراعنة الأمس، صوت رجل تفجَّر الإيمان في قلبه فَصَدَعَ به مخاطباً قومه: ﴿ يَا قَوْمِ إنَّمَا هَذِهِ الحياةُ الدُّنْيا مَتَاعٌ وإنَّ الآخرةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ ﴾ [غافر: 39].
الدكتور عباس أرحيلة، مفكر وعلامة مهتم بدراسة التراث العربي الإسلامي.
لا يوجد حاليا أي تعليقات. كن أول من يشارك!