قبل 3 سنوات

“حدیث الجسد” معرض للفنانة غادة بن عامر

د. محمد البندوري

تجربة تشكیلیة مائزة في المعرض الفردي "حدیث الجسد" للفنانة التشكیلیة غادة بن عامر بالمعھد العالي للفنون والحرف بقابس بتونس، معرض ینطق بلغة جسدیة تعبیریة ذات أبعاد جمالیة، ووظائف بنائیة ودلالیة مغایرة للمعتاد، فقد اشتغلت المبدعة على المنحى التعبیري في مساحات متوسطة وكبیرة، وبكتل وركامات لونیة خفیفة ومركزة، مع العنایة الفائقة بقیم السطح، وانتقاء الألوان بدقة، وھذا مسلك تأثیري یحظى بنوع من السیولة الفنیة والجمالیة، التي تجعل أعمالھا لا تنتھي عند حد معین، بل تتعدى حدود الواقع والخیال بالمعاییر الفنیة الدقیقة.

فھي تتجه نحو أجساد دقیقة الصنع اللوني والشكلي. وبذلك تتبدى في ھذا المعرض اجتھادات وابتكارات تمتح مقوماتھا من الرؤى الفنیة والتصورات الجمالیة والنظرة الواقعیة التي تقارب بھا النسیج الإبداعي في مجمله.

لیظھر المعرض المتكامل عامرا بالإیحاءات والعلامات الرمزیة الدالة على سیمیولوجیة ثقافیة وفنیة تستمد كینونتھا من الواقع بانزیاح عن المعتاد، إذ أن صناعة شخوصات تعبیریة وصیاغتھا في أشكال وألوان لإنتاج مادة تعبیریة یمر عبر اقتناص عدد من الأشكال الرمزیة والعلاماتیة، التي تشكل روابط تولیفیة في الفضاء لدحض النماذج الفراغیة وتحریك الفضاء بحدیث الجسد ولغته الفنیة الجدیدة، ونسج تشكیل مخالف للمألوف بما تحمله التقنیات العالیة للمبدعة من تغیرات، تجعل من التدقیق اللوني الموافق للشكل بناء فنیا منظما في تواشج عمیقة الدلالات، عن طریق التعبیر بالمفردات الجسدیة التي تعتبر المادة المركزیة في ھذا المعرض. فاستخداماتھا الرمزیة وتثبیتھا لعناصر الجسد ومتعلقاته بانسجام تام مع خاصیة التعدد العلاماتي والرمزي ینتج مجالا إیحائیا قادرا على تغییر المنحى التعبیري والانزیاح به نحو تعددیة القراءة. وبذلك، فالمعرض تتبلور فیه العملیة الإبداعیة وفق خاصیات جدیدة وأسلوب معاصر في التعبیر، وتتجسد فیه الأشكال الجسدیة المختلفة بموتیفات شكلیة دالة على مضامین معینة. ویتحقق فیه التجاور والتنوع، ویفصح عن تراكمات رمزیة، وأشكال ودلالات عمیقة، تؤثت لفلسفة قیمیة تستجیب لصراخ الجسد حتى یتفاعل مع القارئ والثقافة التشكیلیة التفاعلیة.

بل إنه تفاعل صریح مع التشخیص الجسدي في حضرة اللون والرمز والعلامة بنوع من المرونة التشكیلیة، ما یحیل إلى معارف متنوعة، تروم التعبیر العمیق بالجسد المتحرك الحمال لرسائل حابلة بالدلالات. وھو ما یؤشر على الصیغ الجدیدة لتحدیث الأسلوب وتوجیھ الطریقة التعبیریة بكثیر من المھارة والتقنیات العالیة نحو عوالم تشكیلیة أكثر حداثة، وھو ما تتوفر علیه الفنانة غادة بن عامر، وتسمح به تجربتھا في الحركة التشكیلیة المعاصرة، بل ویجعل من ھذا المعرض المتفرد إنتاجا تشكیلیا جدیدا في صفوة التشكیل المعاصر.

لا يوجد حاليا أي تعليقات. كن أول من يشارك!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *