قبل 3 سنوات

مناقشة أول أطروحة بالكلیة المتعددة التخصصات بآسفي منذ تأسیسھا سنة 2002


شھدت الكلیة المتعددة التخصصات بآسفي یوم السبت 18 دجنبر 2021 ،حدثا استثنائیا ومتمیزا، تجلى في مناقشة أطروحة للدكتوراه في القانون العام والعلوم السیاسیة تقدم بھا الباحث الھومات یاسین في موضوع: "ملاءمة التشریع المغربي مع قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان: مقاربة منھجیة لحدود قواعد السیادة وتأثیر النظام المعیاري الدولي"، والتي اشتغل علیھا بمركز دراسات الدكتوراه في القانون العام والعلوم السیاسیة ضمن مختبر الدراسات الدستوریة وتحلیل الأزمات والسیاسات بكلیة العلوم القانونیة والاقتصادیة والاجتماعیة بجامعة القاضي عیاض بمراكش.
وقد ضمت لجنة المناقشة كل من الدكتور ادریس لكریني رئیس المختبر وأستاذ التعلیم العالي بكلیة الحقوق بجامعة القاضي عیاض بمراكش، رئیسا، والدكتور عبد اللطیف بكور
عضو نفس المختبر وعضو مجلس جامعة القاضي عیاض بمراكش وأستاذ التعلیم العالي بالكلیة المتعددة التخصصات بآسفي، مشرفا، والدكتورة حَسَنَة كیجي أستاذة التعلیم العالي ورئیسة شعبة العلوم القانونیة بكلیة الحقوق عین الشق بجامعة الحسن الثاني بالدار البیضاء، مقررة وعضوة، والدكتور سعید خمري أستاذ التعلیم العالي ورئیس شعبة العلوم القانونیة بكلیة الحقوق المحمدیة بجامعة الحسن الثاني بالمحمدیة، عضوا، والدكتورة نجاة العماري أستاذة التعلیم العالي بكلیة الحقوق بجامعة القاضي عیاض بمراكش وعضوة بنفس مختبر البحث، مقررة وعضوة، والدكتور مصطفى الصوفي أستاذ التعلیم العالي مؤھل بالكلیة المتعددة التخصصات بآسفي وعضو بنفس المختبر، عضوا. وبعد مناقشة الأطروحة من قبل السادة الأساتذة أعضاء لجنة المناقشة، قررت اللجنة قبول الدكتوراه، ومنح الطالب شھادة الدكتوراه بمیزة مشرف جدا مع التوصیة بالنشر.
وللإشارة، فإن ھذه الأطروحة تبقى أول أطروحة تناقش بالكلیة المتعددة التخصصات بآسفي منذ تأسیسھا سنة 2002 ،وھو ما اعتبره السادة الأساتذة عاملا محفزا لكافة طلبة الكلیة، كما استغلوا ھذه المناسبة لإرشادھم لبذل كافة الجھود في مجال التحصیل العلمي حتى تتسنى لھم الفرصة لنیل نفس الشرف.

ومن بین أھم الخلاصات والاستنتاجات التي خلص إلیھا الباحث ھي أن مسألة إلزامیة القانون الدولي لحقوق الإنسان، تبقى في مواجھة مجموعة من الصعوبات والعراقیل التي من شأنھا أن تحد من فعالیتھا داخل التشریعات الوطنیة، خاصة إذا تم استحضار إشكالیة
القیود التي تفرضھا مسألة السیادة التي تحوزھا الدول، وھي الصعوبات التي تتوزع بین تلك التي تكتسي طابعا تقنیا، وتلك التي تكتسي طابعا سیاسیا.
كما توقفت الأطروحة عند إشكالات أخرى، تتعلق إما بالصیاغة أو بالتفسیر، والتي ما تزال قائمة رغم الجھود التي بذلھا واضعوا الترسانة القانونیة الدولیة، حتى تكون صیاغتھا خالیة من الغموض، وھو ما یرجح كفة التیارات الساعیة لانتقاد ھذه الوثائق الدولیة، على اعتبار أن ھذه العملیة اعْتَرَتْھَا بعض الثغرات، والتي تتراوح بین إغفال التنصیص عن بعض الحقوق أحیانا، وبین عدم الدقة، شكلا ومضمونا، في أحیان أخرى.
ینضاف إلى ذلك، مجموعة أخرى من المآخذ والعیوب المثارة بشأن عمل منظمة الأمم المتحدة في حد ذاتھا، على نحو قد یحد من فعالیة دور الأجھزة والمؤسسات التابعة
لھا، وھو ما یظھر من خلال تزاید كثرة التحفظات التي تبدیھا الدول اتجاه الوثائق الدولیة، الأمر الذي یؤثر في وحدتھا والغرض المرجو منھا، وھو ما یوضح بأن مبدأ السیادة قد یحد ویعترض فعالیة القانون الدولي أحیانا، بل والأكثر من ذلك، أنھ قد یكون أحیانا أخرى بمثابة وسیلة وذریعة تتخذھا الدول للتھرب من التزاماتھا الدولیة، والابتعاد عن أیة رقابة دولیة، سیما في المجالات التي ترى أنھا ستكون معنیة بتجاوزات وانتھاكات حقوقیة، لكن ھذا لا یعني بالضرورة أن الدول باتت مطالبة بالتخلي عن سیادتھا لصالح الأحكام الدولیة، بل على العكس من ذلك، فآلیة التحفظات یجب أن تظل رھینة بالأھداف والغایات التي جاءت من أجلھا، والتي لا یجب أن تخرج عن طابعھا الجدي شكلا ومضمونا، وھو ما یتعین معه القول، بأن آلیة التحفظات كانت وستبقى أحد أھم الصعوبات والعراقیل التي تواجھ عملیة إدماج المقتضیات الدولیة ضمن التشریعات الوطنیة.
وعلى الرغم من كل الصعوبات والعراقیل سالفة الذكر، إلا أن الملاحظ من خلال تتبع مجریات الساحة الحقوقیة الراھنة، أنھ لا نقاش ولا جدال الیوم في مدى شرعیة قواعد
القانون الدولي لحقوق الإنسان، في ظل تزاید الالتزام الدولي بالمعاییر العالمیة لحقوق الإنسان، وتصاعد أدوار المؤسسات الدولیة الرسمیة وغیر الرسمیة في مجال إحقاقھا، وسعیھا المستمر والدؤوب لممارسة بعض الآلیات الرقابیة التي تقید سلطات الدولة وتحد من امتداد سیادتھا متى كان من شأنھا المساس بالحقوق والحریات، سواء الجماعیة أو الفردیة، خاصة في ظل وجود آلیات رقابیة تتزاید قیمتھا یوما بعد یوم، كما ھو الشأن بالنسبة للتقاریر والشكایات الدولیة التي لم تعد في الوقت الراھن تخلو من الفعالیة، رغم كل ما أحیطت به من قیود وضمانات بعدم التدخل في الشؤون الداخلیة للدول، إلا بالقدر الذي توافق علیه صراحة، ما یجعلھا في نھایة المطاف ذرعا صلبا بید كل من یدافع عن شرعیة ومشروعیة ھذا القانون.

ویرى الباحث بشأن إنفاذ القانون الدولي لحقوق الإنسان داخل التشریعات الوطنیة، أن الأمر یتعلق أساسا بكون إلزامیة ھذا القانون تبقى مرتبطة بمدى جدیة الدول في احترامه، أكثر مما ھي مرتبطة بالآلیات والوسائل الرقابیة الدولیة. وقیاس ھذه الجدیة لا یمكن أن یتم إلا عبر ملامسة المكانة التي تحتلھا المعاییر والقواعد الدولیة ذات الصلة بحقوق الإنسان ضمن خانة التشریع الوطني، إلى جانب التركیز على دور السلطة القضائیة في ھذا المجال، طالما أنھا تعد من بین أھم السبل والآلیات التي ترسي وتؤسس لإلزامیة القاعدة الدولیة، بل وتعتبر أكثر من ذلك، بمثابة صمام الأمان والضامن الأول والأخیر لحقوق الإنسان والحریات العامة داخل أي بلد بالعالم، وھذا ما یفسر وجود مجموعة من الدول التي اختارت أن تظل بعیدة عن آلیات الرقابة الدولیة في موضوع حساس مثل حقوق الإنسان، فلا توقع ولا تصادق ولا تنضم إلى الاتفاقیات والمعاھدات، مفضلة أن تظل طلیقة الید في معاملة مواطنیھا، حتى یتسنى لھا "البطش" بھم دونما أي اعتبار لصكوك تقیدھا وتفتح نافذة على ما یجري بداخلھا.

وحول مجریات إعداد الأطروحة التي امتدت لحوالي سبع سنوات متواصلة، أفاد الباحث بأن دراسة إشكالیة ملائمة التشریع الداخلي المغربي مع أحكام القانون الدولي لحقوق
الإنسان، لم تكن قط بالأمر الھین أو السھل، بل على العكس من ذلك، فإن ما صادفه من تفریعات وأبعاد شمولیة إبان محاولة الجواب عن الإشكالیة المطروحة، كان لھ الأثر البالغ
في التأكید على أن الموضوع یبقى منفتحا على مجالات وتخصصات عدیدة ومتنوعة. إلا أنه في المقابل، استطاع أن یخلص للقول فیما یتصل بالتجربة الحقوقیة المغربیة، أن ما بذله المغرب من جھود في مجال الملاءمة، یبقى على درجة كبیرة من الأھمیة، على نحو یترجم نوعا من الجدیة المطلوبة للنھوض بواقع المنظومة الحقوقیة الوطنیة والدفع بعجلتھا نحو الأمام. غیر أن كل ھذا، یبقى في حاجة إلى مزید من العمل المستمر والدؤوب، إذا ما رغب المغرب في الارتقاء لمصاف الدیمقراطیات الرائدة في مجال حمایة حقوق الإنسان، أو على الأقل، حتى یستطیع تجاوز المثالب والعیوب التي تعتري الواقع الحقوقي الوطني الراھن.
لیبقى التساؤل دائما مطروحا حول مستقبل حقوق الإنسان في ظل ما تشھده الساحة الدولیة من تغیرات وتحولات متسارعة، ویخلص الباحث إلى تساؤل رئیس مفاده: ھل سنكون مستقبلا أمام مغرب الحقوق والحریات الذي نسعى إلیه؟ أم أن ھاجس الخصوصیات الوطنیة سیعید إنتاج نفس الإشكالات المطروحة؟

لا يوجد حاليا أي تعليقات. كن أول من يشارك!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *