
قبل 5 سنوات
بين الشعر والخط بؤرة جمالية.. رسمها الشاعر امحمد الأوديي والفنان محمد البوسوني
يعتبر ديوان عيونك نبيذ من الدواوين المتفردة التي شكلت منجزا متفردا وإثراء فنيا وتتابعا لأفكار جسدت الخط والشعر في تلازم وثيق، فالشعر يبسط الفكرة ينقل الحالة الشعورية أو الشعرية بغايات متنوعة، والخط المغربي المبسوط يجسد التواصل مع القصائد الشعرية بفنيات لا تقل أهمية، بل يفيد فنيا وجماليا منه بتأثير أكبر، فتوجيه العملية الإبداعية في القصائد ينسجم انسجاما تاما مع العملية الإبداعية الخطية على نحو من الجمال، وبقدر وافر من التحكم بمقدراتها الفنية، وبسط جهازها المضاميني، حيث استطاع الشاعر والفنان أن يجسدا المواءمة بين ذواتهما والمثل الفنية والمضامينية التي يطمحان إليها بأسلوب شاعري وفني قدما من خلاله رؤيا جديدة لتلاحم الشعر والخط، ولا شك أن الشاعر امحمد الأوديي قد أسكب مشاعره وأحاسيسه في هذا الديوان الرائق منطلقا من خلفيات ثقافية ومعرفية، ورام تغيير الواقع المستهلك؛ ولا شك كذلك أن الفنان محمد بديع البوسوني قد أسكب كذلك مشاعره وأحاسيسه وهو يخط القصائد بالخط المغربي المبسوط منطلقا من خلفيات جمالية وفنية وثقافية، فأضحى هذا التناغم أسلوبا يشترك فيه الخط المغربي مع القصائد الشعرية في تكثيف للرؤى الفنية والجمالية وفي التراكيب التي تعتمد الإيحاء، وفي الصور والمعاني العميقة الغور، لتعتبر هذه التجربة المشتركة انعكاسا لتقاطع الأجناس الشعرية والأدبية والمعرفية والفنية والجمالية، وقد تكون هذه التجربة أكثر موضوعية، باعتبار قيمة الشاعر الذي أنجز الديوان، وقيمة الفنان الذي خط القصائد بالخط المغربي المبسوط. وهما قيمتان فضليتان؛ إذ لكل منهما مكانة عالية.

ولعل هذا الديوان من أهم الدواوين التي رامت قصائده الخط المغربي المبسوط في الفترة المعاصرة، إذ نلمس كما في الشعر في الخط كثيرا من الثقافة والفن والجمال. وقد تغلغل كل من المبدعين في الثقافة فبثها كل واحد منهما بين ثنيات كتاباته الشعرية والخطية.
وبذلك تعتبر قصائد هذا الديوان ظاهرة فنية، وسوسيوثقافنية صاعدة في المشهد الثقافي بفنيات رائقة وجماليات خطية باسقة. تؤكد أحقية وجودها شعرا وخطا، تتمثل صياغة ثقافية متداخلة. ولم يكن ليتأتى هذا لو تم طبع الديوان بشكل عادي وبخط مطبعي، بينما وفّى مشروع الديوان بهذا الغرض بالموازاة مع بيان آخر ظهر في القصائد باعتماد الخط، فأضحى الشكل الشعري جديدا رام تجربة شعرية جديدة. فشكل البيانين معا نظرية شعرية خطية، بررت بفنية وجمال ودلالات قائمة هذه التجربة الجديدة. وقد توفقا المبدعان وإن كان الخط والشعر يفترقان في خواص ومزايا كل واحد منهما. إلا أن الخاصيات الفنية والبيانية والدلالية قد جمعت بينهما، وصنعت منجزا تعبيريا وطرقا لاستخدام الشعر واللغة في مسلك واحد بإيقاع واحد. فالصورة من أهم العناصر في القصيدة، وكذلك الصورة الخطية وطريقتهما في التعبير والدلالة قد شكلتا مجموعة من الدلالات فأضحى الديوان مرتعا للإثارة والدهشة.
وبناء على كل هذا، فإن إمكانية كتابة الشعر بالخط المغربي تضمن شروطا جمالية وفنية وتضمن أبعادا دلالية تتجه في كل ابتكار إلى إعادة قراءة الشعر قراءة جديدة. والمشترك في هذا هو إدماج الشعر في الخط وإدماج الشكل الموزون في الكتابة الشعرية في إيقاع الخط وموسيقاه، وهذا الإدماج يمثل أساسا فنيا وقيمة جمالية في المشترك الشكلي للشعر والخط. إنه ربط بين الموسيقى الخفية في عمق القصيدة الشعرية.
د. محمد البندوري
2 Commentaire(s)
شكرا جزيلا على نشركم للمقال القيم للدكتور محمد البندوري الذي كسى هذا الديوان الشعري لبوسا رائعا وأمطره بتحليل يزكي محتواه ويجعل قراءته مرغوبا فيها.شكرا مرة أخرى على هذا الإهتمام بشؤون الفن والأدب.
مرحبا شاعرنا الكبير.. لنا شرف النشر