قبل 5 سنوات

بعيدا عن كورونا.. قراءة نقدية في أعمال الفنان التشكيلي محمد قلقازي

يسعى الفنان امحمد قلقازي إلى العناية الدقيقة بالقيم الجمالية من خلال منحوتاته المائزة في الساحة الفنية، ولعل تسخيره لمجموعة من الوسائل المتنوعة والمفردات الفنية المختلفة بحركات تبسط أشكالها بكميات مخففة في الفضاء تمنح أعماله هذه الاضافة، وتجعل منها مجالا واسعا لمقاربة موضوعاتها البنائية المركزية بالمنحى الجمالي، وبذلك فإن القاعدة الفنية لديه هي مكمن فني متعدد الدلالات تتحقق فيه مجوعة أشكال وعلامات بتقنيات معاصرة. ولعل تداخل بعض المكونات مع بعض الأشياء المنفصلة، وتركيبها مع أشياء من جنسها، تجعل الأشكال والعلامات في مقاربة تحيل إلى إشارات تروم تجسيدية التفاصيل الصغيرة بحرفية عالية، بالإضافة إلى استخدام رموز مغربية تضفي على انتاجاته تميزاً يحيل المتلقي على مركب ثقافي وحضاري عريق.
ولا شك أن فن النحت يحتاج أساسا للترابط، فكلما قوي الترابط بين العناصر المكونة للعمل كلما اتضحت الصورة الدلالية للمادة المنحوتة، لكن الفنان محمد قلقازي بتجربته الرائدة يقارب بين مكونات العمل بنوع من التدقيق والانتقاء، والتركيز على أحد أهم الأساسيات التي بني عليها فن النحت وهي وحدة الشكل، فضلا عن القدرة الفائقة على تنويع الاختيارات التعبيرية، التي تحاكي الواقع بمختلف مفرداته التي تحكمها النسقية المتوالية من التعبيرات المفعمة بمجموعة من المغازي الصورية، والدلالات العميقة، والأنساق المختلفة، التي تلقي بظلالها على عوالم التشكيل، بما يؤكد الحالة التعبيرية، ويتم كشف كوامنها وفق المنهج السيميوطيقي، وهي في عمقها تشكل أدوات أيقونية دالة على أوصاف غير محدودة، تكتنفها الحركة التي تحرر العمل من سطوة الأشكال التعبيرية المصمتة، بعيدا عن التأثيرات الثنائية والثلاثية التي تفقد الشكل وحدته.


ويتبدى من خلال ذلك أن الفنان التشكيلي محمد قلقازي يرتكز في تجربته التشكيلية على نمط تعبيري، يمتح مقوماته من الهواجس الباطنية، والرؤى والتصورات التي تكتنف مخيلته، حيث تتبدى أعماله تشخيصا يعبر عن معان نفسية أو ذهنية، وبالرغم من انزياحه أحيانا نحو تأزيمية الموضوع، إلا أنه يصنع أشكالا تعبيرية، يصيغها في أسلوب تحاوري، وأداة تحولية، لينسج منها المادة التعبيرية المنتقاة، التي ينتج منها أبعادا رمزية وعلاماتية معقدة، فيعمد إلى روابط علائقية تخول له صنع مجال فني رائق قوامه البعد الجمالي في حلته المعاصرة. ويظهر تفوق الفنان التشكيلي امحمد قلقازي في استخداماته النحتية على مستوى التقنيات المستعملة وعلى مستوى الخامات والمواد المختلفة التي تشكل عناصر البناء بكل مضامينها ومقوماتها، وأيضا على مستوى الخاصيات الفنية الموظفة بشكل منتظم، وعلى مستوى التعابير الفنية والمفاهيمية، التي تنطق بها أعماله الرائعة. إنه بذلك يقوي وحضوره المائز في الساحة الفنية المعاصرة الرائدة.
د.محمد البندوري

لا يوجد حاليا أي تعليقات. كن أول من يشارك!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *