قبل 5 سنوات

بعيدا عن كورونا.. صناعة الجمال في منجز التشكيلية التونسية روضة عاشور


تصوب الفنانة التونسية روضة عاشور مادتها التشكيلية منعدد من الأشكال والألوان معتمدة على خزان من العلامات والرموز المقابلة لبعضها، لتصنع منجزها في ثنائية وفق مراحل بنائية تنتهي إلى صناعة تجسيمية ذات قيم فنية محلية. لأن الفنانة رضوى تمتح من سيميولوجيتها المحلية كل مقومات التشكيل والنحت. وتعتبر منجزاتها في هذا الاتجاه الذي تحكمه الانسيابية والعفوية، انفتاحا راقيا عن العوالم التي تتقاطع مع المادة التشكيلية.

وعملا بالقاعدة النقدية فإنعمليات التركيب اللوني حين مرورها من مراحل البناء تفقد نوعا من الجمالية وينخفض فيها مستوى التناسق بين الأشكال والخطوط وتصبح الألوان مغتربة في ظل عمليات التجسيد والنحت. وذلك لأن تدبير المجال الجمالي عموما يحتاج إلى دقة في الربط وتَحكّم في زمام عمليات التنسيق بين الألوان والخطوط والدوائر والرموز والعلامات في نطاق تجاوري دقيق.

لأن من هذا المنطلق تتم صناعة التوازن بين كل العناصر المكونة للعمل الفني. لكن بالرغم من ذلك فإن المبدعة روضة عاشور توفر بتلقائية من خلال التنغيم والتباين والتكامل نوعا من الانسجام. وهذا يدخل في الاختيارات المرجعية والاختيارات الجمالية للمبدعة التي تروم من خلالها إحداث بناءات قوية تجهز بها على كل الفضاء وفق مساحات محجبة ومثقلة بأشكال من الخطوط المتنوعة والرموز والعلامات مما يجعل أعمالها محكمة بالرمزية، مما يجعلها كذلك قابلة لتعددية القراءة وحاملة لأوجه من التأويلات. وهي في مجملها تتغيا غايات فنية مستمرة في الزمن.

إنه توظيف لأسلوبها بتقنيات خاصة وبأبعاد فلسفية تعتمد المجرد، وتتوغل في الغموض وفق صيغ من بنائية للتعبير بطرق غير مباشرة عن هواجسها وعن أحاسيسها ومشاعرها التي تتبدى جلية من خلال مسالكها المختلفة في عملية التوظيف التي تغطي مجمل مساحات الفضاء.
إن مجال التشكيل في مختلف أعمالها يتميز بالأداء المركب الذي تظهر فيه التعبيرات القيمية، وتُستجلى فيه المكنونات الغائصة في عوالم إبداعية فلسفية ذات معاني ودلالات. إنه تعبير يروم التحول من القماش إلى النحت وفق معالم وطقوس تشكيلية،ومفردات فنية تستمد وجودها من تصورات المبدعة ورؤاها التي تشكل لبنة جديدة في نقل نفس المادة التشكيلية من خامة صباغية إلى مادة نحتية وفق مشروع فني يعتمد الرموز التشكيلية المختلفة، والعلامات المتنوعة.

ولا شك أن هذا التوجه التشكيلي يروم التعبير وفق مراحل انتقالية وتحولية، يؤسس في العمق لنهج تفاعلي حضاري يفضي إلى قراءات وتأويلات متعددة ترتكز على تعدد الدلالات والمعاني التي تنتج عن الأحاسيس أولا، ثم عن عمليات التحول في البناء ثانيا، والتحول في المنجز ثالثا. الشيء الذي يوجه المعنى نحو البعد الجمالي ونحو المسار الإبداعي الواعد بالجديد الفني مع البقاء في جوهر التراث الحضاري المحلي الذي يزخر بكم هائل من الأشكال والعلامات والرموز التي توظفها المبدعة وفق طموحها الفني حيث تجعل من منجزها صناعة فنية تُمتع القارئ بما تتوفر عليه من قيم جمالية.

محمد البندوري

لا يوجد حاليا أي تعليقات. كن أول من يشارك!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *