قبل 5 سنوات

بعيدا عن كورونا.. تأثير المفردات الواقعية في أعمال المغربية كريمة حبيبي

تنهل الفنانة التشكيلية كريمة حبيبي من الواقع بعض مقوماته الجمالية، لتطعم أسلوبها الفني بعُدة جمالية تعتمد فيها تنوع الشخوصات والطبيعة، وتجسد من خلالها الحياة الاجتماعية؛ بصور جمالية تعكس موهبتها وتقنياتها العالية.

والفنانة كريمة وإن كانت تشتغل في مجال التمريض والإنعاش بالمركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس؛ فإنها لا تخلو من تأثيرات هذا الواقع لتبحث له عن فسحة علاجية من خلال الأداء الجمالي الذي يريح النفس ويكسبها متعة الجمال الفني ولذة الرؤية الجمالية. وهي بذلك تصنع مجموعة من العلاقات الجدلية، والتواصل التفاعلي بينها وبين المجال الصحي، بمقومات ثقافية ومعرفية وفنية، وبتقنيات هائلة تروم أولا مزج الألوان ووضعها بشكل منظم، وتروم ثانيا التعبير عن طريق معالجة المادة الواقعية بأسلوب واقعي مؤثر يحرك الأحاسيس. كل ذلك تشكله المبدعة كريمة بإلهام فني ساحر، ورؤى جمالية عميقة الدلالات، وبأشكال – وإن كانت في مجملها واقعية- إلا أنها حمالة معاني داخلية، ومضامين قوية، ومغازي وإيحاءات وإشارات رمزية، تقود إلى دلالات متعددة، ترتبط أساسا بسيميولوجية الفنانة كريمة حبيبي، وبفلسفتها الخاصة في بعدها الصريح المتجانس مع مختلف مقومات التشكيل المعاصر، وهي تنبثق أساسا من مجالها التعبيري، ورصيدها الثقافي والمعرفي والتشكيلي.

وهي مقومات أساسية تشكل أرضية خصبة لتدبير إبداعاتها الفنية وفق مسلك واقعي معاصر بالرغم من بعض التمظهرات التلقائية والعفوية التي تتبدى في التوظيفات الشخوصية، لكن المادة التشكيلية تؤشر في شموليتها على الأسلوب الواقعي المتنوع المضامين، الذي يعكس بشكل جلي ثقافتها التشكيلية المؤثرة في العملية الإبداعية وتؤشر في الآن نفسه على وجود رؤى فلسفية متناسقة ونظم تشكيلي واقعي مترابط.

إن الأعمال الإبداعية للفنانة التشكيلية كريمة حبيبي تتبدى مثقلة بالتعابير والقيم الإنسانية وتتبدى فيها أيضا اجتهادات كثيرة تروم الانفتاح على الحياة وبسط الأمل وزرع الفرح والابتهاج في القارئ، خاصة وأنها تُنتج تعابير من عصرها، ومواد من بيئتها، وبذلك تتخطى المستهلك بأدوات فنية بنائية وبمقومات جمالية خالصة. مما يصنف أعمالها في خانة الفنون التشكيلية المعاصرة ذات الطابع الجمالي المتنوع. فهي تعالج المادة الواقعية من خلال تصوراتها المتجددة، وتلامس المادة التعبيرية بجرأة وبمؤهلات كبيرة وبكفاءة عالية، ومهارات قوية، تحرك النسق اللوني، والمجال الشكلي بطرائق جمالية تغير منحى التعبير، وتُحول المادة من الواقع العادي إلى فلسفة فنية معاصرة، ثم إلى دلالات أخرى تحرك مشاعر القارئ وتؤثر فيه. ولا شك أن المجال التحاوري الذي تتخذ منه أداة للتعبير؛ تجعل منه قيمة جمالية حسية، يمكن اعتبارها حيزا إبداعيا يخترق المادة التشكيلية في عمقها؛ وهو يقوم على تصورات المبدعة ورؤاها الفنية مما يفسح المجال لنسج طقوس إضافية في أعمالها بأبعاد جمالية متعددة الأنساق والمرامي، تُسهم كلها في صنع صيغ تعبيرية مختلفة عن طريق توظيف مفردات تشكيلية صرفة، وقيم جمالية متنوعة، تُرسي مقومات العمل الفني المرتكز على أسس بنائية وخزان من الأشكال والألوان، على نحو إبداعي وجمالي هادف.


وإن توجه الفنانة كريمة حبيبي نحو هذا المنحى التشكيلي، يُعد انطلاقا نحو وجهة جديدة بمقومات جمالية تفاعلية، تهدف من خلالها إلى بث عوالم فنية جديدة، تؤثث بها أسلوبها الواقعي وتشرك القارئ في العملية الإبداعية بنسج مجال خصب متنوع الألوان ومتشعب المضامين ومكثف الدلالات، باختيارات غاية في التنظيم والبناء المحكم، وتلك سمة تلوح بوادرها في إبداعات الفنانة كريمة التي ترصن وجودها الفني وعمقها التشكيلي وحضورها الإبداعي في الوسط التشكيلي المعاصر. إنه تأطير يأتي في سياق تجربة فنية واقعية معاصرة غنية بالابتكار، تسعى إلى بناء فن تعبيري منظم بأشكال واقعية تلامس الحياة الجديدة بعصرنة في الأسلوب لتحقق إنتاجا فنيا وجماليا تحرك به الأحاسيس وتوقذ به فتيلا فنيا عميق المرامي.
محمد البندوري

لا يوجد حاليا أي تعليقات. كن أول من يشارك!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *