قبل 5 سنوات

بعيدا عن كورونا.. تأثير البنية الشكلية في أعمال اللبناني أجود أبو زكي

لقد شكل تجسيد التقنيات المتنوعة وتوظيف مفردات الثقافة اللبنانية بطبيعتها الجميلة وتنوع مظاهرها الحضارية، أحد أهم الأدوار في الثقافة التشكيلية للفنان اللبناني أجود أبو زكي، فقد شكلت الألوان المتنوعة نبضا جماليا يمتح من الطبيعة اللبنانية مقوماتها الأساسية، لينحت أسلوبا واقعيا يروم التعبير بمفردات تميل إلى التجريد أحيانا ليبهم بعض المعالم الطبيعية ويعيد صياغتها في أشكال جمالية، يفتقها داخل الفضاء بمقومات فنية، يتحكم فيها التدرج اللوني الخفيف. إنه تفاعل يتخذ من الطبيعة سكنا لبت روح التجديد في مجال التشكيل بسمات تلوح بوادرها في البنية الشكلية لتحريك المسار الواقعي وفق منظور يعيد لنظام الألوان تكوينها وبناءها، فتتبدى مختلف الجماليات حابلة بخصوصيات تحمل في عمقها اتجاها فلسفيا ومضامين معاصرة. ويشكل اللون والشكل صيغة فنية تحقق الأغراض الجمالية.

فالألوان التي تنبض بتدرجاتها المتباينة في التقنيات المستعملة والموظفة داخل المنظومة الفنية التعبيرية الجميلة التي تنتجها هياكل أعماله من خلال السكب والسيلان والتقطير اللوني؛ تتمظهر في تفاعل مشهدي عبر اللون مع الشكل ومختلف المفردات الفنية الحية، وذلك لإظهار أهم مناحي الجمال وتأكيده داخل الفضاء. إن السمات الشكلية البارزة تظل رهينة الصياغات الجديدة التي يحدثها المبدع أجود أبو زكي، حين يرسم بنعومة في مساحات مسطحة، ويُدر سيلا من الألوان في تدفق رهيف حتى تتمظهر أعماله في سمفونية هادئة، وهو خروج من ضجر الحياة إلى مجاري اللون في نطاق عالمه الجمالي. وهو في جوهره يترجم ما يخالج شعوره من خلال توظيف للطبيعة ومحتوياتها من الطبقات المختلفة والأشكال المتنوعة بآثار لونية تخلّف بصمة قوية تستحوذ على الذائقية المعاصرة، وهو توظيف يتطلب خاصيات لونية وتقنيات عالية لتصل الأعمال إلى شكلها النهائي.

ولذلك يستعير الألوان وفق أنظمة شكلية، ليقاربها بمظاهر الطبيعة اللبنانية والحياة الاجتماعية استنادا إلى الواقعية في نطاق تعبيري، ينسجم مع هواجس الفكر والروح بعيدا عن ضوضاء المادية ومتعلقاتها. فحركة التموج المتحققة في لوحاته، والحركة التي تسع الشكل واللون؛ لم تكن صباغية بقدر ما هي جسدية، ليضحى اللون في أعماله غير اللون، لأن المبدع يستدعي الأنظمة الشكلية من خلال حركات أسندها إلى الألوان وهي تخفي وراءها عالما متحركا يحمل مضامين متنوعة.

ليس هذا التداخل في وجهة الألوان وتحديداتها داخل أعماله، بل هو جوهر تجربته الواقعية بوصفها توجها نحو إلغاء الالتباس بين الألوان المفارقة والمتداخلة التي تشكل امتدادا للنفس في الطبيعة وفي الجسد، وتمثل نموه عبر مراحل بنائية متنامية تضمر مضامين حية، بطرائق تخترق شكل الارتباطات اللونية وانتظام الأشكال في نطاقها التعبيري المرتبط بالواقع.

وبذلك يقدم المبدع تدليلا صريحا عن تصوراته التي تشكل ينبوع حياة، وتعبير دقيق عن قيم فنية تتنوع فيها الأساليب التعبيرية والحضارية عن طريق اللون والشكل، فالمبدع له إمكانات تقنية هائلة يوظفها بأسلوبه المميز بنوع من المرونة والدقة، مما يعكس حسن اختياره القائم على إرساء تخصص مبني على قاعدة من المعارف. ليثبت جدارته وشرعية أعماله فنيا، ويبين تموقعها المائز ضمن النسيج التشكيلي العالمي المعاصر. فجِدّته التشكيلية قادته إلى عوالم جديدة، وتجاربه الفنية جعلته يمنهج أعماله وفق نسق تشكيلي له خصائصه الفنية ويقدم صورة جمالية عن الفن التشكيلي اللبناني في صيغ رائقة.
محمد البندوري

لا يوجد حاليا أي تعليقات. كن أول من يشارك!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *