
قبل 5 سنوات
بعيدا عن كورونا.. المفكر عباس أرحيلة يكتب عن تفاهات وانحرافات وسائل الإعلام
أولى معركة في إعداد العُدَّة الإيمانيَّة العلميّة للمرحلة القادمة، مجاهدة النفس الأمّارة بالسوء. وأول ما ينبغي أن يستحضره الكائن البشري في معترك تجربته على الأرض؛ تلك الخُطَّة العلميَّة المنهجيّة التجريبيّة التي تُختبر في ضوئها شخصية الإنسان، ومدى قدرته على مواجهة ما يحيط به من قوى الشر. تلك الخطة وردت في أهم ما قرّره الوحي في اختبار التجربة البشرية، وهي خطة في ذات الوقت تنظيمية توجيهيّة؛ لا تنضبط حركة وجودنا في الأرض بسواها، ولا يمكن أن تَحدُثَ تحوُّلاتٌ حقيقيّةٌ في مسارات تلك التجربة بدون تطبيق لتلك الخطة. وما هذه الخطة؟ إنها تلك التي جاءت في قول الخالق المصوِّر، القاهر فوق عباده، من له الأمر كلُّه: ﴿إنَّ اللهَ لَا يُغيِّر مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ﴾ [الرعد:11]. فهو من خلق الأنفس، وله القدرة على تغييرها، وقال: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [التكوير:29]. ولكن شاءت قدرته أن يُحمِّل ابن آدم هذه المسؤولية؛ فقال عزَّ وجلَّ ﴿وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾ [الأحزاب:72] فهل قامت الجامعات في دنيا البشر بوضع مناهج في استنباط كيفيات التغيير من القرآن الكريم؛ الذي هو الوسيلة الوحيدة بمعية الحديث النبوي الشريف من يساعد العقول البشرية على كيفية إنجاز ذلك التغيير؟ وفي ضوء اللغط حول منجزات الغرب في مجالات المناهج، هل ظهر منها في ديارنا ما يُسعفنا على تغيير ما بأنفسنا، أو ظهرت آثاره في سلوكنا؟ وفي إطار هذه الخطة المنهجية الربانيّة أدعو أحبائي أن نبدأ غداً، إن شاء الله تعالى، في الخطوة الأولى بالعمل على مجاهدة النفس في طَرْد التفاهات التي تبثها وسائل الإعلام في حياتنا عامة، وفي بيوتنا خاصة.
في إطار إعداد العُدَّة لما هو آت – كما تمَّت الإشارة - ؛ نحتاج إلى خطوات كثيرة في مجاهدة النفس، ومحاربتها في هواها وميولها. قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ﴾ [ القصص:50]. نحتاج في المرحلة القادمة إلى إرادة قوية لمراجعة ذواتنا، وما اعتراها من ضعف وإهمال باتباعها للأهواء والشهوات. أقترح – ونحن في الحجر – أن نبدأ بأمريْن: أولهما: أن نَطرُدَ التفاهات والانحرافات التي بثَّتْها وسائلُ الإعلام، وكانت لها تأثيراتها - وما تزال - في عقول ومشاعر الكثير من أسرنا المغربيّة. وأن ينهض كل واحد منَّا بهذا في وسطه الأُسريّ - في حدود استطاعته -؛ لتقوية النفوس وإخراجها من التيه والضياع والانحراف أحياناً. أريد أن تكون لنا وقفة مما تبثُّه وسائل الإعلام من مسلسلات وبرامج ترفيه، وما فعلته وتفعله في أسرنا من أساليب التدمير للقيم الإنسانيّة بنشر أشكال الميوعة باسم الفن، ونشر التفاهات باسم الترفيه؛ إذ ضاعت كثير من مقوِّمة الشخصية المغربيّة بكل أبعادها الإنسانيَّة والدِّينيَّة، بسبب ما تُشحَنُ به النفوس من انحرافات؛ فكانت بمثابة (ميكروبات) تراكمت على العقول والمشاعر؛ فتركتها في تِيهٍ وغفلة دائمة. كثير من الأسر أصبحت حياتها مسلسلات، ومتابعة أشكال من التَّفاهات باسم (الترفيهات) على ما فيها من (ميوعات)، فعادت أبصارها منافذ إلى عالم الشهوات. وبذلك يتم إلهاء العقول عن مهمّات الأمور. الأمر الثاني: أن نحارب الأمية في كل من له صلة بمحيطنا الأُسريّ - على قدر ما نستطيع -، وننشر فيه حب القراءة، والحث عليها، والتطلع إلى آفاق المعرفة.
الدكتور عباس أرحيلة، مفكر وعلامة مهتم بدراسة التراث العربي الإسلامي
لا يوجد حاليا أي تعليقات. كن أول من يشارك!