قبل 5 سنوات

بعيدا عن كورونا.. الصياغات العلاماتية في منجز السعودي عبد الرحمن السليمان


ذ.محمد البندوري

تكمن جمالية العمل التشكيلي لدى الفنان عبد الرحمن السليمان في قوة التجريد بانطباع فني وحس تعبيري، إذ يتخذ من الصيغ العلاماتية والبؤر الرمزية مسلكا لبلوغ منجز فني معاصر، بحرفية عالية ودقة في الأداء، فهو يتخذ من التجريد المتقدم أسلوبا يثمن به سرية التطور عبر مراحل قوامها الاغتراف من خزان مليئ بالأشكال والرموز والألوان، يغذى بها أعماله التجريدية ويمنحها العناصر الأساسية بعيدا عن كل التمثلات المادية، ليأخذ صيغا مختلفة من أساليب التجريد ويكون مساحة إبداعية، وينتج فنا مختلفا تظهر فيها ملامح العصرنة والاستلهام الموضوعاتي والمقاربة بين المادة التجريدية والفضاء، فيتبدى في جوهره مليئا بالرموز الإيحائية، والعلامات الأيقونية الدالة على معاني.

لوحة الفنان السعودي عبد الرحمان السليمان
لوحة الفنان السعودي عبد الرحمان السليمان

وبين هذا السند المدجج بالمفردات التجريدية وبين الصباغة والطلاء تتمظهر ثقافة المبدع التي تخصب الطريق لديه لولوج عالم الإبداع المعاصر بتعبير قوي ورمزية مبهجة من البيئة المحيطة، ليخلص إلى ولوج فضاء تجريدي يستمد كينونته من تأصيل فني خاص به. إنه يتخذ من هذا المسلك الإبداعي بؤرة فنية لابتكار تدفقات جديدة للألوان ونسج فراغات منظمة في مساحات تتراءى فيها بعض الرموز والأشكال التعبيرية التي تنبجس في خطوط خفيفة وألوان شفافة تكتنفها الظلال أحيانا، ويخترق الضوء الأسود أحيانا أخرى، بل ويشتد السواد ويخترق أجزاء من الخامة بقوة حالكة، وأحيانا الأحمر بدفئه، ما يعطي اللوحة أبعادا هواجسية، ويوحي بأحاسيس تلقي بظلالها على جملة من الجدليات التي تنسج علاقات تحاورية بين مختلف المكونات التشكيلية داخل العمل الواحد من ألوان ورموز وعلامات، تصل أحيانا إلى حد تحقيق الخصوصية الرؤيوية للإبداع في توازن بين مختلف العناصر التي تقوم على ليونة اللون وصلابة الرمز، وعلى انحناء الشكل وصلابة العلامة، وقوة الملء وجمال الفراغ، وفنية الانتظام وقوة وحدة الشكل. وهو ما ييسر التفاعل مع الأشكال الغامضة، ويحرر أعماله من كل القيود. وهو كذلك بُعد يُعضد صياغاته الفنية والجمالية المضمنة في أعماله التي تقترن بفلسفة تجريدية معاصرة، تنبثق من رؤاه الفنية وصرامته التقنية، وتستجيب لضرورات التطور وبعث الجديد التجريدي برؤية مختلفة.

لوحة الفنان السعودي عبد الرحمان السليمان
لوحة الفنان السعودي عبد الرحمان السليمان

إنها استجابة تبرر تحرر الألوان في بؤرة الشكل. يحررها ليمنح أعماله ما تستحق من عناية فنية وتعبيرية؛ فينزاح بأسلوبه التجريدي المعاصر عن القيود اللونية والشكلية دون الخروج عن الحدود البصرية الجمالية. وهذا في المجال النقدي يرسل انطباعا بأن الفنان عبد الرحمن السليمان يبلور في نسيج أعماله مسالك فنية مركزية، يعضد هذا التوجه التنظيم الشكلي العام الذي تلتهب فيه الرموز والعلامات بلغة تشكيلية تُخاطب المخفي، وتُقدم معالجات جمالية بخطاب بصري رمزي متجدد يجعل المعنى ينصهر في الشكل. إنه توظيف معاصر يدل على قيمة الفنان ويرسخ هويته الفنية وأسلوبه الإبداعي المعاصر، الذي يستنطق الشحنات اللونية في علاقاتها مع الرموز والعلامات. ولا شك أن المبدع يضخ مختلف المقومات الجمالية في هذه التجربة المتجددة التي تحقق التنوع في الرمزية، وفي العلاماتيات، وفي الصياغة التجريدية.

الفنان السعودي عبد الرحمان السليمان

إن تجسيد التقنيات العالية، وتوظيف مفردات الثقافة التجريدية بصيغ غير مألوفة يشكل اجتهادا حقيقيا لصناعة الجمال في التجريد بصياغات علاماتية. ويعد هذا متونا للمعنى، وتوجها صريحا لإكساب التجريد مساحة فنية تفاعلية بدلالات المعاني ضمن تجليات الفعل الرؤيوي للعلامة والشكل واللون والإيقاع والحركة والرمز؛ وإنشاء فضاء مليء بالتحولات الفنية، ومبني على أسس تجريدية تجسد المخفي في حلقات إبداعية تستند على الوحدة والتوازن والتأطير المحكم، والتدبير الفني للفضاء ومفرداته. ما يجعل كل العناصر البصرية في أعمال المبدع لها أهميتها ووجودها الرئيسي في أسلوبه التجريدي الذي دخل به مجال الصفوة المعاصرة من الباب الواسع.

لا يوجد حاليا أي تعليقات. كن أول من يشارك!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *