قبل 5 سنوات
بعيدا عن كورونا.. التشكيلية الروسية OLGA ترسم الأساليب الحوارية
تعمل الفنانة التشكيلية Olga بأساليب حوارية تجسدها وفق اعتبارات جمالية تغذي أعمالها التشكيلية، بصياغات لونية كثيفة تخضعها لعلائق تجاورية في نطاق الحفاظ على وحدة البناء والشكل والرؤية وإبراز المادة الحسية بترابط مع المادة الفنية وتطبيق لتصوراتها المسبقة. ويشكل المنجز اللوني قيمة مضافة في أعمالها تغذيه بنبرات إيقاعية وبجودة عالية تنسجم مع مختلف الكتل حيث تصنع بينها مجموعة من العلاقات الجدلية، والأساليب التحاورية، والأدوات التحولية، وبعض الأشكال التعبيرية، الرمزية والعلاماتية المتداخلة فيما بينها، وتلعب الاستعمالات اللونية دورا أساسيا في تشكيل مجموعة من العناصر التوهجية، التي تنسج الحيوية وتغذي المشاهد الرمزية في إطار لغة بصرية لها مضمونها الرؤيوي، وأسلوبها المؤثر على الملمس التشكيلي، حيث تضحى أعمالها متماسكة وقوية. وهي تربط بلغة حوارية العلامات والرموز بأشكال وألوان ذات قيمة جمالية تزيد المادة الإبداعية قدرة إنتاجية، وتشكل فيها التقنية المستعملة أداة جوهرية لتحويل التصورات إلى آلية بصرية وبطريقة حوارية محددة المعالم، تكتنز أبعادا فلسفية تظهر بشكل تدريجي في مضامين مترجمة لرؤية الفنانة OLGA، لها خصوصياتها المتفاعلة مع مجمل المفردات الفنية المعاصرة، وهي تنبثق أساسا من المجال التعبيري عموما، توظفه ضمن نسيجها المعرفي والثقافي المنبعث من الثقافة الروسية، وأيضا من خلال توظيفها لكل العناصر المكونة لأعمالها بشكل عفوي وانطباعي، لكن الشكل المروني يفسر مجموعة من التأثيرات القوية التي تنبعث من المادة اللونية المستعملة، بحركية تُظهر جملة من القيم الجمالية والرمزية التي تدل على عمق الفن الفعلي، في تشكيل دقيق يدعم المجال التعبيري المعاصر، ويمنح الكتل انطباعا واقعيا وحسا إنسانيا، ينفذ تأثيره إلى البصر بانعكاسات عاطفية تمثل مشاهد الواقع على نحو رصين؛ فالألوان تنسج الحياة، والرموز والعلامات تحمل مفهوم المتغييرات وتصنع الحركة، وبين تين الخلتين، تتمرأى أشكال من الكتل اللونية الراكدة في مجال الخلط التقني الملتزم بطواعية الشكل. ولعل هذا التحوير والتحويل للغة الفن، هو ما دفع بأسلوب الفنانة الروسية OLGA إلى بسط هذه التجربة بمقومات المضامين المشحونة بتعابير حوارية ممتزجة بالتعقيد والتبسيط، وبالتعتيم والوضوح في نفس الوقت، لتملأ الأعمال بقواسم حوارية أخرى مشتركة من إشكالية السر وإشكالية التعبير المتنوع المضامين، وكل ذلك يعكس بشكل جلي ثقافتها التشكيلية الروسية الخصبة، ونبوغها في التفكير والتنظير، مما يفسر الإدراك الحسي المتين بقدرة كبيرة، تُظهر مجموعة من المفردات الفنية والألوان المتداخلة، تتخذ منها أدوات للتعبير اللوني والرمزي، وتجعل منها مواد أيقونية لتحريك المشاعر، بطرائق فنية عميقة الدلالات.
كما أن العلامات اللونية، والأشكال المختلفة تصوغها المبدعة وفق اجتهاداتها، ووفق مقارباتها العمل بالمادة التشكيلية الصرفة، مما يظهر إبداعاتها مثقلة بالإيحاءات والإشارات والعلامات الرمزية التي لها مغازي ودلالات قوية. وهي تمتح مقومات ذلك من سيميولوجيتها وثقافتها المميزة.
إن كل ذلك يمنح أعمالها أبعادا زمانية ومكانية، تفسح المجال لصنع علاقات تحاورية بين مختلف الألوان والرموز، بنوع من التكافؤ والتوازن بين كل المكونات والعناصر التي تملأ الفضاء، فتجعل البصر يتناغم ويتفاعل مع طبيعة العمل ككل. فهي تروم استدعاء المجال الإشاراتي والعلاماتي بما يكتنفه من تشعب دلالي يجعل المتلقي ينفتح على تعددات قرائية وتأويلية تتيح تعدد الدلالات، وتسمح ببناء وشائج تشكيلية تُمكّن من الاقتراب من الموضوع المحوري بشكل مباشر، الشيء الذي يدعم المسار الإبداعي المعاصر للفنانة برؤى فلسفية متناسقة ومترابطة، تؤكدها حينا بعد حين بأسلوبها الإبداعي الذي يُرسي مقومات العمل التشكيلي الفني المبني على أسس علاماتية ورمزية متنوعة. إنها بتصميماتها الرمزية والعلاماتية التشكيلية البسيطة - التي تبدو فطرية - تُخضع أعمالها لنسيج تركيبي، لا تتم تأديته إلا بنوع من المهارة والتقنيات العالية، بالرغم من السكونية البنائية والتنويعات الرمزية التي تجعل من تعبيراتها حتمية إبداعية وثقافية وفنية.
فبناء الفضاء بكل تلك المكونات والعناصر يسمح بخروج المادة التشكيلية الى المجال الحسي والبصري بتقنيات جديدة ومهارات عالية، وهو ما تتوفر عليه الفنانة أولكا وما تختزله تجربتها الرائدة في الحركة التشكيلية المعاصرة. وهو أيضا ما يسمح للمتلقي العادي والمتخصص أن يتأمل ويقرأ بتعددية: أعمالَها الرمزية والعلاماتية التي تنبئ بعوالم كثيرة وجديدة تساعد على فهم مادتها التشكيلية. فهي تتواصل معها بفنية ووجدانية وتفاعُل، وهو ما ييسر لها بلوغ القيمة الفنية التي توجه مسارها التعبيري، حيث يتبدى التكامل جليا في منجزها التشكيلي، ويظهر التوليف بين مختلف العناصر التي تشكل أعمالها، وهي بذلك تحقق معنى حقيقيا للوحاتها، وأسلوبا مميزا لمسارها التشكيلي بكل ما يضمن لها الاستمرارية والتألق.
د.محمد البندوري
لا يوجد حاليا أي تعليقات. كن أول من يشارك!