
قبل 5 سنوات
بعيدا عن كورونا.. التشكيلية الأردنية جاناريتا العرموطي تنحت مسلكا تشكيليا جديدا
تلجأ الفنانة التشكيلية جاناريتا العرموطي إلى تشخيص الواقع برؤى واضحة المعالم، وترصد التتابعات الفنية في تحولاتها المرتبطة بالظواهر الفنية، ولعل تنقلها بين المدارس الفنية الكبرى تجعل من منجزها التشكيلي وجهة متجددة الأسلوب والمسالك، فهي فنانة واقعية بامتياز، ترسم الواقع من وجهة نظرها ووفق تصوراتها ومعالجاتها الفنية، انطلاقا من تثبيت الملامح المشخصة، ومرورا بالإسكابات التي تضفيها المبدعة على منجزها التشكيلي، ووصولا إلى إدراك الحقيقة المعرفية التي تتوخاها من خلال العملية الإبداعية التي يتفاعل معها القارئ والمثقف عموما.

لهذا تتبدى أعمالها في مواجهة إيجابية مع القراء. ومن خلال مقاربة أعمال الفنانة بالواقع، فإنها تتبدى حابلة بالمعاني الدقيقة، وبالعبارات الرقيقة، وبالمفردات الشيقة، والشعور بالتنوع الجمالي.

سمات تغذي أعمالها الفنية، فهي تحاكي الواقع الاجتماعي والطبيعي وتعبر عنه ببورتريهات صادقة في الإحساس ومدججة بتصوراتها الفنية. وهي تحمل في طيها مفاهيم ذات مغازي عميقة، ودلالات تُشكل رسائل واضحة إلى القارئ. إنها تتخطى ببراعة البورتريه العادي الذي ينقل الصورة كما هي إلى بورتريه مدعم بتصوراتها ورؤاها الفنية انطلاقا من تأثير المدارس الأخرى على واقعيتها. فهي تبني تصوراتها على مبادئ التجديد، وتَجاوز البورتريه الكلاسيكي الذي يروم معاني الانسجام والفكر، والذي يَتبنَّى مبادئ التكتُّل والتَّجمُّع، إلى البورتريه المعاصر، ثم إلى إنجاز بورتريه متكامل الأوصاف مدجج بآليات التعبير الصرف، بجمالية فنية وشمولية إبداعية تجعل القارئ أمام فهم فني جديد، وأمام عمل إبداعي يأخذ بعين الاعتبار المجال الثقافي والمعرفي والتصورات والرؤى الموضوعية.

وهو ما يحيل إلى أن الفنانة جاناريتا العرموطي تنهج مشروعها الذاتي، فأعمالها تتواشج على نحو من التعابير التي ترصد الواقع وتعالجه من منظور فني متجدد في الأداء، وفي الشكل، وفي التقنيات لتظل مرتبطة التفكير به، باعتباره الهاجس المحرك للعملية الإبداعية لديها، لما يحمله وفق تصوراتها الفنية من دلالات تتبنى الحلول الفنية المتحررة، والأمل المستشرف لواقع متجدد.

إن ثمة روحا من الواقع حمالة لمضمامين لصيقة بالفنانة جاناريتا العرموطي تتراءى في مشاهد تشكيلية وكأنها على خشبة مسرح، لا تقبل الانفصال ولا الانفصام عنها. فهي تأتي في سياق أعمالها ذات الرؤية التشكيلية الإبداعية التي تروم إمتاع القارئ، حيث تصنع الإيجاب الفني والجمالي بمضامين وبتصورات وتحويلات فنية تروق عين القارئ، وتُحقق له المتعة والتفاعل بسَلك النهج المُوتيفي لمختلف الأشكال التنوعية والتوظيفات اللونية، لجعلها أكثر سمفونية، ترسل نبراتها المحمَّلة بالإيحاءات والمغازي والدلالات إلى الواقع التفاعلي الذي يُخرج المادة التشكيلية إلى حيز وجودي قوي المعالم الفنية المتجددة، تباشر العين والإحساس.

ولعل المهارة والتقنيات العالية التي تتوفر عليهما المبدعة بمعية تجربتها التشكيلية القوية، تلعب دورا محوريا في تشكيل فضاء فني جديد واضح المعالم. إنه أسلوبها الخاص في التعبير، ومشروعها الإبداعي الذي يكتنز قضايا اجتماعية وبيئية وفنية، بإبداعات منسجمة، تُوازن فيها بين التركيب واللون والمساحة والخامة، لتحقق نتاجا عميق الدلالات، تُشعل به وهجا تشكيليا بأبعاد جمالية متنوعة وفق تصوراتها الهادفة والموشومة بدفئ البحث عن الجديد الفني.

إنها فلسفة تلف أعمالها التشكيلية. تتخذ مجالا واسعا لنسج روابط سحرية بين الواقع ومختلف المفردات الفنية والعناصر التشكيلية من شخوصات ومواد واقعية، تُوفر توازنا أكبر بين مختلف مكونات أعمالها الإبداعية. إنها استعمالات تقود إلى أسلوب خارج عن المعتاد، حيث إن التعبير بهذا الأسلوب المتجدد هو أحد المكونات الرئيسية في الثقافة التشكيلية، لذلك تنفذ أعمال الفنانة جاناريتا العرموطي إلى أعماق القارئ عبر الرؤية البصرية، وهو ما يؤهلها لارتياد مختلف العوالم الإبداعية الجديدة.
د.محمد البندوري
لا يوجد حاليا أي تعليقات. كن أول من يشارك!