قبل 5 سنوات

بعيدا عن كورونا.. الأساليب الحوارية في منجز المغربية رجاء بن مصباح

ذ.محمد البندوري
تعمل الفنانة التشكيلية والحروفية رجاء بن مصباح بأساليب حوارية تنطلق من الواقع العنائي ومن أشكال الحياة بمختلف تداعياتها ومؤثراتها، فتجسدها المبدعة وفق اعتبارات فنية تغذي أعمالها التشكيلية، بصياغات لونية كثيفة أحيانا، تخضعها لعلائق تجاورية في نطاق الحفاظ على وحدة البناء والشكل والرؤية وتنوع المضامين وإبراز المادة الحسية بترابط مع المادة الفنية وتطبيق تصوراتها وما تحمله من لواعج وأشجان وقضايا عميقة. ويشكل المنجز اللوني الذي يطرح مختلف المضمرات الأخلاقية والروحية والإنسانية قيمة مضافة في أعمالها تغذيه بنبرات إيقاعية وبجودة عالية تنسجم مع مختلف الكتل حيث تصنع بينها مجموعة من العلاقات الجدلية، والأساليب التحاورية، والأدوات التحولية.

وتعضد طروحاتها المضامينية والشكلية بصنع أشكال تعبيرية، مفعمة بالحروفيات وبالرمزية والألوان العلاماتية المتداخلة فيما بينها، وتلعب الاستعمالات الشكلية عموما دورا أساسيا في تشكيل مجموعة من العناصر التوهجية، التي تنسج الحيوية وتغذي المَشاهد الرمزية في إطار لغة بصرية لها خلفيات مضامينية ومرجعيات تتعلق بما ترغب المبدعة تقديمه من مواضيع ذات شجون داخلية، وتحمل في الآن نفسه أبعادا رؤيوية، ما يجعل أسلوبها يؤثر بشكل مباشر على الملمس التشكيلي، لتربط بلغة حوارية المضامين المتنوعة بالعلامات والرموز، وبالأشكال والألوان، ما يضفي على منجزها التشكيلي قيما متنوعة منها القيم الجمالية؛ ويزيد المادة الإبداعية قدرة إنتاجية.

وتشكل التقنيات المستعملة أدوات جوهرية لتحويل الأساليب الحوارية إلى آلية بصرية عبر معبر مضاميني متنوع المواضيع الهادفة والمحددة المعالم، وهي في عمقها تكتنز أبعادا روحية منها ما يظهر بشكل تدريجي في السطح، ومنها ما يُستشف من خلال القراءة الغائصة في أغوار الأشكال والألوان، خاصة وأن المبدعة تتمتع بخصوصيات تفاعلية مع الواقع تتبدى فنيا في مجمل المفردات الفنية المعاصرة، وهي تنبثق أساسا من المجال التعبيري عموما، توظفه ضمن نسيجها الروحي والمعرفي والثقافي المنبعث من الخصوصيات الواقعية، ومن خلال توظيفها للمفردات والعناصر المكونة لأعمالها بشكل عفوي وانطباعي. في حين يكشف جانب الشكل مجموعة من التأثيرات القوية التي تنبعث من المادة اللونية، ومن الحروفيات، ومن الدوائر والمربعات، ومن مختلف الأشكال والرموز والعلامات، بحركيات تُظهر جملة من القيم الجمالية والفنية التي تدل على عمق المادة التشكيلية في نطاقها المضاميني، في تشكيل دقيق يدعم المجال التعبيري المعاصر، ويمنح أعمالها ككل انطباعا واقعيا وحسا إنسانيا، ينفذ تأثيره إلى البصر بانعكاسات روحية وثقافية واجتماعية، تُمثل مَشاهد الواقع على نحو رصين من الرمزية؛ وتمثل الهواجس على قدر من التفاعل مع مختلف القضايا الاجتماعية والروحية والثقافية بتشكيل للألوان والرموز والعلامات التي تحمل مفهوم المتغيرات التي تتطلع إليها المبدعة، وهو ما يدفعها لصنع الحركة في أعمالها، لتتمظهر أشكال من الحروفيات تغزو الكتل اللونية في طواعية مطلقة الشكل.

ولعل هذا التحوير للغة الخط واللون يدفع بأسلوب الفنانة رجاء بن مصباح إلى بسط هذه التجربة بقوة مضامينية مشحونة بتعابير حوارية ممتزجة بالتعقيد والتبسيط، وبالتعتيم والوضوح، وبين هذا وذاك تضخ في أعمالها لغة حوارية مليئة بالتعابير المتنوعة. وهو ما يعكس ثقافتها التشكيلية والحروفية، بهاجس من التفكير والتنظير، ما يفسر الإدراك الحسي لمجمل القضايا التي تظهر في مجموعة من المفردات الفنية والألوان والحروفيات، وفي الشخوصات الانطباعية، تتخذ منها أدوات للتعبير اللوني والرمزي، وتجعل منها مواد أيقونية لخدمة المضامين وفق مقاربات فنية وجمالية.


إنها تتواصل مع منجزها الفني بأساليب حوارية، وبفنية ووجدانية وتفاعُل حروفي وتشكيلي، وهو ما ييسر لها بلوغ القيمة الفنية التي توجه مسارها التعبيري، حيث يتبدى التكامل بين مختلف العناصر الفنية من حروفيات وشخوصات انطباعية وتجريد جليا في منجزها التشكيلي، ويظهر التوليف باديا بين مختلف هذه العناصر لتحقق معنى حقيقيا هادفا في أعمالها، وتنحت أسلوبا مميزا لمسارها التشكيلي بكل ما يضمن لها التألق.

لا يوجد حاليا أي تعليقات. كن أول من يشارك!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *