قبل 6 أيام

الوظائف البنائية والدلالية في لوحة الفنانة زهراء حنصالي

بقلم د.محمد البندوري

لا شك أن لوحة الفنانة التشكيلية زهراء حنصالي تضطلع بمجموعة من الجماليات في وضع فني ساحر تتجاوز قيود اللون والشكل، في نطاق مشروع ذاتي للمبدعة، جسدته في لوحة تشكيلية من الحجم الكبير، حملت خصائص التداعيات الوجدانية في سحرها الجمالي المرصع بنشوة التجريد والحرف، وفق صناعة دقيقة، ووفق خزان من الأشكال والألوان المعاصرة المدججة بالتقنيات الحديثة.
إن اعتناء الفنانة زهراء حنصالي ورؤاها الفنية والجمالية تمنح القارئ تحويلا جديدا على مستوى المادة التشكيلية وعلى مستوى المفاهيم اللونية، وعلى مستوى التقنيات الجديدة وعلى مستوى الإطار الجمالي والفني الذي تُمثل فيه الكلَّ التشكيلي.
إن هذه اللوحة قد جمعت عددا من المفردات التشكيلية، وبددت الغموض، وباشرت الوضوح بعناية فائقة وسط مساحات كبيرة. فقد أنجزت المبدعة لمسات صباغية غاية في الجمال، بنوع من التبسيط، بانتقاء وتسويغ تحكمه الفطرية والانسيابية والانطباعية، بكل ما تقتضيه المادة الفنية من أشراط، فيتراءى عليها الدال الشكلي بائنا بجماله، حيث يُعد ذلك إنجازا فنيا، وانتصارا لمجال الرؤية البصرية التي تستجلي غالبا دلالات إضافية.
إن تثبيتها لعناصر شكلية ولونية بانسجام تام، يجعل خاصية التعدد العلاماتي والإيحائي والإشارات في نسيجها التشكيلي، تُحدث مجالا فنيا قادرا على تغيير المنحى التعبيري والانزياح به نحو تعددية القراءة، فهي قد بلورت -من خلال هذه اللوحة- العملية الإبداعية وفق خاصيات جديدة وأساليب معاصرة في التعبير، ومزجت بين ملامح الألوان في أنساق الحياة الهادئة والمتحركة.
إن الفنانة التشكيلية زهراء حنصالي قد اتخذت لهذه اللوحة؛ التوظيف المحكم بتثبيتها لمجموعة من الأشكال والقيم الجمالية التي تتيح للبناء البصري صياغة تصويرات تتفاعل مع مقومات العمل الفني للوحة ككل. فهي تستنطق مخزوناتها الإبداعية بصدق ووفاء، وتجعل أسلوبها ممنهجا ودقيقا تتوالد معه سيولة من القيم الفنية والجمالية والتعبيرية بأبعاد غير محدودة. إنها بذلك تصنع فنا مرئيا تتذوقه الرؤية البصرية بصيغة حسية على اختلاف المفردات والمكونات التعبيرية المُستخدمة في العملية الإنتاجية. لتشغل حيّزاً من الفراغ دون حدود للمكان. وبذلك تتبدى هذه اللوحة مليئة بالإيحاءات والإشارات الدالة على أشياء مخزونة معينة، بل وعلى سيميولوجية ثقافية تستمد كينونتها من الثقافة المغربية. وهو ما يخول لها فنيا وتقنيا. صنع أشكال تعبيرية رائقة، صاغتها في ألوان مختلفة، وأردفتها بجنسها لتنسج منها المادة التعبيرية اللائقة. فعمدت إلى روابط علائقية كثفت بها الفضاء لتتراءى بين الكتل والألوان في حُلل بديعية ومحسنات رائقة. وعمدت كذلك من خلال تلك العمليات إلى إنتاج توليف بين مختلف العناصر المكونة لهذا العمل، بإضافة عناصر جديدة مما تحمله تقنياتها المتميزة والعالية من تغيرات، جعلت من التدقيق اللوني الموافق للشكل بناء فنيا منظما في تواشج عميقة الدلالات، عن طريق التعبير بمفردات فنية يمكن اعتبارها المادة الأساسية والمركزية في اشتغالها الفني.


وبناء على كل ذلك، فتجربة الفنانة الرائقة زهراء حنصالي تنبني على نمط تعبيري جمالي، بمقومات وأساسيات فنية، ووظائف بنائية ودلالية مغايرة للمعتاد، فهي اعتمدت على المسلك التعبيري المبني على مساحة كبيرة، وعملية البناء عضدتها الوظائف الشكلية واللونية والأشكال المباشرة التي تنتج تعدد الدلالات. وقد وفّرت لذلك عددا من المواد بتصورها المخالف للمألوف، عن طريق إنشاء نظام فني بدءا من الخامة الكبيرة والأشكال والعلامات المثبتة بتقنية عالية. وهو تطبيق عملي وفق رؤى وتخييلات المبدعة، وبكتل وركامات لونية خفيفة ومركزة ودقيقة، مع العناية الفائقة بقيم السطح، وانتقاء الألوان بدقة متناهية، وهذا أسلوب يروم الحرص الشديد على الاعتناء التام بالقيمة السطحية، لما لها من أهمية في مسلكها التعبيري. فجلي في هذه اللوحة هذا النوع من السيولة والدقة والانتقاء اللوني. بل إن هذا العمل لا ينتهي عند حد معين، بل يتعدى حدود الخيال بالمعايير الفنية الدقيقة، ويتجه نحو أشكال وعوالم معرفية بقوالب منظمة ودقيقة الصنع اللوني والشكلي، وبذلك فإن هذا العمل تتبدى فيه اجتهادات وابتكارات تمتح مقوماتها من الانفعال الباطني الذي يعبّر عن معان وأحاسيس داخلية وعن رؤى ذهنية، تقارب العمل بالنسيج الإبداعي في مجمله.

 

لا يوجد حاليا أي تعليقات. كن أول من يشارك!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *